أين حبارة؟
لا أحد يعرف كيف حدثت قصة هروب الإرهابى المسؤول عن مذبحة رفح.. ولا علاقة محاولة الهروب بسيل القنابل المتصاعد من مترو الأنفاق، إلى كل مكان فيه رمز من رموز السلطة الأمنية.
الإرهاب يحقق أهدافه الآن بأقل قدر من الضحايا.. وبطرق بدائية/ محلية الصنع.. وقصة الهروب مع مسلسل التفجيرات تطوُّر ينقل الإرهاب إلى مستوى لم يعد يحتاج فيه إلى «عملية» كبيرة، ولكن إلى نغزات يومية تنشر الخوف وتكشف ضعف الأجهزة الأمنية.
رسائل الإرهاب تصل سريعا.. يقول مع كل قنبلة:
نستطيع الوصول إلى أى مكان.. بما فى ذلك رمز الحكم ومقر السلطة الكبيرة: قصر الرئاسة.
ويقول أيضا إن الأجهزة الأمنية التى تبحث عن هيبتها بالقمع لا يمكنها تحقيق الأمن، وليست قادرة على حماية نفسها.
ونقول مجددا إن القمع بيئة الإرهاب الخصبة.
وإنه لكى «تفجر» الشعور بالأمان لا تحتاج إلى أموال ضخمة ولا تنظيمات عنقودية أو هرمية..
الإرهاب يستثمر فى الفشل والقمع، والأجيال الجديدة من التنظيمات تشبه الشذرات فى حجمها (أى مجموعات صغيرة) تنتشر انتشارا سرطانيا بلا جسم كبير يمكن لأجهزة المعلومات متابعته بطرقها التقليدية العقيمة، ولا بعقلية النفخة «الكذابة» والبحث عن الهيبة، تلك الخرافة التافهة التى ستدمر «الاستقرار» و«الأمان».
المجموعات الصغيرة لم تعد تحتاج إلى «هيكل تنظيمى» على الأرض كما فى أجيال أقدم، مثل الجماعة (بتلك البنية الهرمية الراسخة) أو «الجهاد» (بعنقوديته الجبارة) أو «القاعدة» بتنظيمها القديم المعتمد على قيادة مركزية تتصل بقيادات محلية.
القاعدة انتقلت إلى مرحلة «الفرانشيز»، أى مجموعة أكثر من ثلاثة أشخاص يمكنهم أن يكونوا «قاعدة» ما داموا يلتزمون بقانون الفرانشيز، الذى يجعل الماركات الدولية تسلم اسمها مقابل الالتزام بالمواصفات. ليس هناك تنظيم/ ولا فكرة/ هدف سوى استمرار هذه الصورة (علم + مقاتل + قنبلة + بيان فيه اسم الله وإعلان استمرار الجهاد فى سبيله).
بهذا المنطق حدثت انفجارات السنوات الخمس الأخيرة فى مصر/ وتطورت بعدها لتقدم طبعة جديدة من التحام تنظيم القاعدة بالجهاد، وفق مفهوم «السلفية الجهادية»، الذى لا يميزه عن «السلفية العلمية» إلا «اختيار طريق القتال»، أو ما يسميه الأكاديميون: الثورى/ الراديكالى.
المدهش فى التسمية عدم مطابقتها لمعناها الذى وُلدت فيه/ وإسقاطها على واقع آخر/ وظواهر مضادة.. وهذا أحد عناصر الضعف فى تحليلات صادرة من معمل الأفكار الغربية/ والتابعة لها فى العالم العربى.
«السلفية الجهادية» اسم جديد يجمع توكيلات «الفرانشيز» فى ما يشبه السياق/ لا التنظيم/ حيث لا يوجد عقل مركزى ولا فكرة مركزية غير محاربة «أعداء الله/الكفار».. أو تدمير دولة الظلم.
هذه النقلة فى بناء مجموعات الإرهاب خطيرة لأنها تجعل الإرهابى يعيش بيننا بالقرب منا.. جزء من حياتنا.. وهذه نزعة لا يمكن مواجهتها بهذه العقليات العتيقة أو التى قادت عملية «عاد لينتقم» فى الشرطة..
هذه العقليات لا تفهم أن القهر والقمع والإذلال اليومى هو حملات دعاية لتنظيمات إرهاب الفرانشيز.
كما أن إغلاق المجال السياسى سيدفع كل من بحث عن مكان له بعيدا عن احتكار السلطة والثروة إلى العنف أو حمل السلاح أو تهديد الدولة، التى تبنى ترسانات خيبتها يوميا..
انظروا وتأملوا صورة الوحوش الذين اصطادوا طالب ثانوى وتكالبوا عليه تكالب الضباع.. ربما تفهمون لماذا يغزونا الإرهاب؟