قبل أن تقرأ يجب أن أوضح لك أنى لا أعترض مبدئيا ونهائيا على حق الفنان جمال سليمان السورى الجنسية فى أن يقدم دور جمال عبد الناصر، فهذا حق مطلق له، بدليل أن ابن بلده تيم حسن كان أفضل من أدى دور الملك فاروق بالمقارنة بكل النجوم المصريين.
المشكلة أن جمال سليمان احتفظ أيضا بلكنته السورية فى عمل فنى يحمل روح الوثيقة ومع شخصية مصرية قح لا تقبل أبدًا أى هامش من الخطأ فى نبرة أو لهجة أو نظرة، كتبت قبل أن أرى العمل أنه من الممكن أن يصبح ناصر هو دور العمر لجمال لو..، ولو كما نعلم جميعًا متشعلقة فى الجو!!
جمال لديه نقطة ضعف فى ضبط اللهجة، والأمر ليس له علاقة بأنه سورى، ولكن بقدرته على تحويل «السويتش»، لو جلست مع رغدة ستتكلم معك اللهجة المصرية ولو كان دريد لحام يتبادل معها الحوار ستنتقل لا شعوريا إلى السورية، وعندما تسجل مع المذيعين اللبنانيين طونى خليفة أو نيشان ستجد اللكنة اللبنانية تسيطر على الموقف، لديك مثلا هند صبرى برعت فى أداء دور بنت البلد المصرية، أفضل من عديد من النجمات المصريات، وهى تتحدث بطلاقة مع التونسى تونسى ومع المصرى مصرى.
إنها ملكات خاصة يمتلكها البعض ويفتقدها آخرون، نعم حكاية اللهجة كانت هى المأزق الذى واجه جمال كلما ابتعد عن دور الصعيدى الذى شكّل التعاقد الأول بينه وبين الجماهير المصرية قبل تسع سنوات منذ مسلسل «حدائق الشيطان» ودوره الذى لا ينسى «مندور أبو الدهب»، إلا أنه واصل الحضور فى الدراما المصرية وتسامح معه الجمهور بقدر ما فى مسلسلاته غير الصعيدية وآخرها العام الماضى «نقطة ضعف».
المسلسل يدخل فى مناطق عديدة وسوف يغرق نفسه فى تفاصيل، حيث يروى التاريخ على الكنبة التى يتبادل الجلوس عليها رجال الثورة، ولن تجد فارقا فى المكياج بين عبد الناصر والمشير فى مطلع ثورة 52 وفى أثناء الوحدة 58 وبعد الهزيمة 67، المسلسل غير مُشبع تاريخيا وغير ممتع إخراجيا، ولكن كل هذا يهون أمام صدمة الناس فى أثناء متابعة لكنة جمال عبد الناصر الذى صار على يد المخرج عثمان أبو لبن شاميًّا أبًا عن جد، «وعن جد» كما يقول الشوام!!
هناك فارق فى التلقى بين ناصر وعامر، عبد الناصر يسكن فى الذاكرة الجماعية من خلال الصور والخطب المتعددة التى احتفظت بها «الميديا»، بينما المشير عامر لم يتبق له فى ذاكرة الناس سوى صورته الفوتوغرافية بشعره الكثيف الأسود المجعد، كما أن الناس رسمت له صورة ذهنية لرجل دمه خفيف وشهم صاحب مزاج خاص وعاشق للنساء تردد فى حياته اسما وردة وبرلنتى وأكدت وردة أكثر من مرة لى ولغيرى أنها مجرد شائعة. باسم سمرة لديه مساحة أكبر فى تحقيق المصداقية لأن الناس لن تحاسبه سوى على ملامح خارجية وسيجارة وقدر من الانفعال العاطفى والدفء الإنسانى الذى كان يتمتع به المشير عامر، المخرج هو المسؤول بالطبع عن تلك الاختيارات بقدر ما نجح فى تسكين باسم فى دور عامر حقق كارثة مع جمال فى دور ناصر، هناك غربة وبرودة مع الشخصية ولا أتصور أن الأيام القادمة قادرة على إذابة هذا الجليد.
لا أحد من الممكن أن يقتنص نجاح أحد، والفنان العربى عندما يغنى أو يمثل باللهجة المصرية يضيف إلى رصيدنا إحساسا بمذاق خاص، ولكن جمال سليمان أراد أن يتحدى قانون الطبيعة فأحال «صديق العمر» إلى صفعة العمر!!