كنت أريد اليوم أن أكتب عن ضربة البداية فى رمضان، أعنى الحلقة الأولى وما تحمله فى العادة من مفاتيح تُدرك من خلالها روح العمل الفنى وتلمح فيها بصمات المخرجين، من خلال حركة كاميرا أو أداء ممثل أو تكوين أو مونتاج، إلا أن الأمر كان خارجًا عن إرادتى، فما إن أتأنتخ وأندمج حتى أفاجأ بانقطاع الكهرباء وانسحاب التدفق، ثم أنتظر عودتها فأجد مسلسلا آخر، وظلت الكهرباء على هذه الحال، ساعة تروح وساعة تيجى، وأحيانا ساعة واحدة فقط تيجى وساعتان وثلاث تروح، ولهذا أرجأت الكتابة عن ضربة البداية، ربما الأمر يحتاج إلى يومين أو ثلاثة.
ألم تلاحظوا للعام الثانى على التوالى أن تخلو من الخريطة الرمضانية المسلسل الدينى، الحقيقة أن الأمر سيستمر طويلا طالما استمرت تلك المحاذير، وعلى رأسها التجسيد، التى يرفض الأزهر أن يعيد التفكير فيها، لا أريد للأزهر أن يلغيها مرة واحدة، ولا أنتظر قرارا فوقيا من شيخ الأزهر الجليل، ولكن فقط إعادة التفكير وأن يفتح الباب للمناقشة، خصوصا أن الأمر لا يخضع لحكم قطعى، ولكن لرأى واجتهاد مرتبط، ولا شك بظروف الزمان والمكان. من الواضح أن الأزهر فى عهد د.الطيب، يصر على أنه لن يسمح بشىء من هذا، فهو خط أحمر.
فى أول تعقيب للدكتور.جابر عصفور كوزير، أكد أنه لن يخضع للأزهر، وأعلن أنه بحكم مسؤوليته سوف يعرض فيلم «نوح»، ما حدث بعدها هو أن رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب تدخل وذهب الوزير إلى الأزهر ليعتذر، رغم أنه أعلن بعدها وعلى استحياء، أنه لم يعتذر إلا أن الثابت هو أن الدولة لن تسمح له مجددًا بتكرار الاعتراض.
الأمر فى الحقيقة ليس له علاقة بفيلم ممنوع، ولكن بموقف ينسحب على كل مناحى الحياة، وهو أن الدولة تريد أن يبسط الأزهر نفوذه أيضا على الفن والثقافة، ومن يعمل مع الدولة فعليه أن يلتزم بتلك القاعدة التى تعبر عن استراتيجية النظام، نحن مقبلون على رؤية متحفظة فى كل شىء، صحيح أن ما سوف تقرؤه رسميا أن مصر دولة مدنية، ولكن فى نفس اللحظة ستكتشف أن الرؤية المحافظة جدًّا والدينية جدًّا جدًّا هى التى تحدد خارطة ومعالم الطريق، وأن معاونى شيخ الأزهر سوف ينتشرون عبر الفضائيات ويتولون الشجب لكل ما يظنون أنه يخرج عن الخط. لن تعود هناك سماحة فى تقبل أى مرجعية دينية غير إسلامية.
«نوح» يستند إلى التوراة، وفى الحقيقة يجب أن نعترف بأن الأزهر أخذ هذه المرة ضوءًا أخضر من الدولة وهى، أقصد الدولة، عندما أرادت عرض فيلم «آلام المسيح» الذى يستند إلى «الكاثوليكية» قبل عشر سنوات وبالمناسبة كان عصفور هو الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، أرادت وقتها الدولة أن تصل رسالة إلى العالم تؤكد أن مصر ترحب بكل المرجعيات الدينية، وصمت الأزهر، لأن الدولة لم تسمح له وقتها بالاعتراض، الآن اختلفت القواعد وصار المطلوب هو أن يعلو صوت الأزهر وأن يعلن الجميع انصياعهم إليه.
هناك لقاءات قادمة بين المشيخة وعدد من المثقفين، ولكنى أؤكد لكم أن الأزهر تحكمه معايير صارمة، ولن يسمح لأحد بمناقشة جدوى منع التجسيد، وليس فقط الأنبياء ولكن الخلفاء والمبشرين والصحابة.
سوف يستمر غياب المسلسل الدينى فى السنوات القادمة، لأن الجمهور شاهد قبل عامين فى مسلسل «عمر» الخلفاء الأربعة وعددًا كبيرًا من الصحابة، وهو لن يقبل فى أى عمل دينى قادم ما هو دون ذلك، فالأزهر لا يقبل المناقشة، بينما قطاع وافر من المثقفين طالما تأكدوا أن الدولة تريد ذلك فهم ذلك ونُص، وآراؤهم أيضا ساعة تروح وساعة تيجى!!