.. هذه المرة لم أقابله بالصدفة أمام باب الأسانسير الذى أضحى مرتبطا عندى ارتباطا شَرطيا بالأستاذ سيد جارنا، لكنى فوجئت به يشرفنى بالزيارة فى شقتى بعد ثوان معدودات من مكالمة هاتفية مقتضبة سألنى فيها سيد لو كنت موجودًا فى البيت، فما كدت أجاوبه بـ«نعم» حتى فوجئت بقوة جبارة ترشقه رشقا فى باب الشقة.. وبعد السلامات والتحيات والسؤال عن الصحة والأولاد، وكل عام وأنتم بخير، وأنت بالصحة والسلامة، ورمضان كريم، الله أكرم.. إلخ، أخذ الأستاذ سيد نفسًا عميقًا ثم ظفره وقال:
- تعرف حضرتك «وليد» ابنى؟
كذبت، وقلت طبعًا طبعًا (وكان ذلك طمعًا فى الاختصار ولئلا يقوم الرجل ويأتينى بوليد ابنه ليعرفنى به).
- وليد ابنى زى ما سيادتك عارف خلّص السنة دى معهد التعاون...
كذبت للمرة الثانية وأومأتُ متمتما بأننى أعرف، (وكان ذلك أيضا خشية أن يستأذن أبو وليد ليذهب ويحضر شهادة تخرج ابنه وليد من معهد التعاون لكى يُطلعنى عليها)..
- وليد بقى، زى ما حكيت لسيادتك قبل كده، غاوى فن وحاجات من دى....
كذبت للمرة الثالثة وندت عنى إشارات وأصوات تدل على أننى أتذكر فعلًا الحكاية، ثم لذتُ بالصمت فى انتظار أن يفصح الأستاذ سيد عن سبب الزيارة ويخلصنى، غير أنه تابع:
- الواد من صغره الحقيقة وهوّ كده.. يعنى دخل فريق الكورة فى المدرسة، ولعب سباحة فى النادى، واشتغل شوية فى الموبايلات مع حمادة ابن الحاج محمود.. ما أنتَ عارفه....
استغفرت ربى وكذبت مرة رابعة وأكدت معرفتى بحمادة وباباه الحاج محمود مع إنى لم أسمع باسمهما قط.. بيد أن صبرى بدأ ينفد فقلت لسيد: وبعدين يا أستاذ سيد؟!
- ولا قابلين سيادتك.. وليد ابنى بسلامته بقى الأيام دى طالعلى فى المسلسلات وغاويها قوى...
- معلهش.. مصر كلها دلوقتى ما بتعملش حاجة غير الفرجة ع المسلسلات لأن لا مؤاخذة الثقافة السائدة حتى الساعة فى البلد، أن الدنيا ما هى إلا مسلسل سخيف، كما أن الأمم لا تبقى ولا تعيش بالفن والجمال وإنما بالمسلسلات، لذلك «إن همُ ذهبت مسلسلاتهم ذهبوا» فى ستين داهية.. والعياذ بالله!!
- بس سيادتك، وليد ابنى تجاوز هذه المرحلة الفنية من زمان، ولم يعد يشاهد أى مسلسلات..
- أمال وليد ابنك غاوى فيها إيه؟!
ـ غاوى يكتبها...
- برضه معلهش.. نسبة كبيرة من السكان دلوقتى بتكتب مسلسلات.. ما تقلقش عليه، اعتبرها مرحلة فنية زى مرحلة الموبايلات وح تعدى على خير إن شاء الله.
ـ دى مامته...
- مامة مين؟!
ـ المدام.. الست أم وليد، ماكانتش مقتنعة أبدا بالحكاية دى وكان رأيها يرجع يشتغل تانى مع حمادة.. ما أنت عارفه سيادتك..
- أيوه.. ابن الحاج محمود...
ـ تمام.. لكن الواد زى ما إنت عارف، مثابر وغتت قوى، ظل يَزن ويلح على مامته لغاية لما أقنعها تقرأ المسلسلات التلاتة اللى كتبهم الأسبوع اللى فات، وفوجئت بيها لما رجعت امبارح بالليل ميتة م.....
- يا ساتر يارب.. البقية فى حياتك..
ـ حضرتك رحت بعيد.. كانت ميتة من العياط.. ربك والحق، أنا فى الأول اتخضيت وقلتلها: مالك يا أم وليد؟ أمك ماتت؟.. قالت لى لأ.. أنا بس لسه مخلصة مسلسل من بتوع وليد.. الواد طلع فنان بصحيح يا سيد، ده كاتب حتة دين مسلسل هندى.. لازم يا أبو وليد تشوف حد من بتوع التليفزيونات عشان يوصل الواد للمجد بسرعة.. أرجوك.
- وشفت له..؟!
ـ ما أنا جاى لحضرتك عشان كده.. والنبى ما تعرفش حد من بتوع التليفزيونات؟
- طلبك موجود يا أبو وليد..
ـ فين..؟!
- فى شارع عبد العزيز..
ـ عبد العزيز..؟!!
- أيوه الحاج عبد العزيز.. أبو «توتو» اللى فاتح محل «كوفى نت» على ناصية الشارع.. ما أنت عارفه.
(انتهى الحوار) و.. كل عام أنتم بخير