متى نتخلص من عقلية المسلسل؟
أقول هذا بمناسبة رمضان.. وكل عام وأنتم بخير..
وأقوله أيضا بسبب مشاعر تبدأ فى السيطرة مع اقتراب رمضان.. مشاعر الخوف من الوقوع فى الفخ..
أخبار المسلسلات والأجواء المحيطة بالتصوير وأسعار النجوم والسباق على العرض/ الحصرى/ وغير الحصرى.. تتسرب حتى تأكل كل شىء، أو بمعنى أدق تبتلع المسلسلات كل ما عداها، لدرجة أن مسلسل مثل «أهل الإسكندرية» أصبح مادة صراع سياسى/ واستعراض نفوذ تدخل فيه رئيس الحكومة ومؤسسة الشرطة وفرقتها التليفزيونية كاملة.
ماذا سيفعل مسلسل.. هل ستنهار هيبة المؤسسة بحكى حكاية شرطى فاسد قبل الثورة؟
وإلى هذا الحد السيطرة على المسلسل سيطرة على عمود من أعمدة الدولة..
لقد فعلها مبارك وأصبح المسلسل من أدوات الحكم.. فعلها وسقط ولم تسقط سطوة المسلسل.. بل إنه الفن الوحيد الذى تطور فى عصر مبارك، المقصود هو الحلقات التليفزيونية، والتطور يعكسه اتساع دائرة البيزنس الخاص بإنتاج حلقات درامية طويلة لها جمهور واسع تلتقطه شركات الإعلان، وتستثمره فى قنوات تعرض 24 ساعة من الحلقات.
وبعدما كان عبد الناصر يهتم ببرامج الإذاعة وأصوات مذيعيها، والسادات ببرامج حكاياته الذاتية.. شهدت سنوات مبارك ازدهار المسلسل التليفزيونى باعتباره «الصناعة» الأولى لمصر فى مجال الإعلام، الذى كان وقتها رسميا، ثم حدث الانفجار الهائل بظهور قنوات خاصة تعرض 24 ساعة من المسلسلات التليفزيونية.
فيض لا يتوقف، ولا يمكن تأمله أو متابعته، له موسم كبير فى شهر رمضان، ومواعيد ثابتة، يسعى فيها المسلسل إلى اللهاث وراء المشاهد لا العكس، فالمسلسل سيصلك وقتما تريد، وإن لم يكن على هذه القناة، سيكون على قناة أخرى، ليس المهم المتابعة ولكن التقاط أطراف من حكايات متناثرة، تحاكى الواقع «مع التركيز مؤخرا على السياسة»، مختصرة الدراما ذلك الفن الواسع «المهتم بمآسى وكوميديا الإنسان فى السينما والإذاعة والتليفزيون والمسرح» فى تلك الروايات التليفزيونية التى تحسب بالساعات.
المسلسل.. عقلية كاملة، سيطرت على صناع القرار من التليفزيون والبيزنس إلى السياسة وقصور الحكم.
كل القضايا الكبرى تحولت إلى «مسلسلات» بداية من شركات توظيف الأموال.. وحتى هشام طلعت مصطفى، لا حسم، ولا نهاية متوقعة، ولكن مط وتطويل مرهق يبرد الحدث، لكنه لا يمنع من متابعته، وتحويله من «صدمة» إلى «حكاية» يمكنها أن تشغل الليالى المملة بتصاعد مثير للحدث.
العقل السياسى الذى حكم مصر فى الخمسينيات والستينيات اعتمد على فكرة الصلابة واختار «الخطابة» كتراث قديم، يعبر عن فروسية البطل، وتراث حديث يصعد فيها الزعيم الملهم إلى الشرفات، ليحدث الحشود الغفيرة ويعلمهم ويمنحهم دروسا فى التاريخ.
عبد الناصر اعتمد على الخطابة، بما أنها ساحة مواجهة وحسم لمعارك مع الأعداء المقيمين خارج ساحة الجموع، صلابة بلا دراما، وظل ناصر حكاية إرشادية، أحادية الاتجاه، بلا تفاصيل ولا ثنايا درامية.
السادات درامى أكثر، وخطاباته لم تخل من درامية «البطل السينمائى» لا «الحربى» كما كان عبد الناصر.
برامج السادات الحكائية كانت تكمل صورته «الريفية» المعتمدة على روايات شفاهية تحوله فى الليالى إلى أسطورة، تسيطر على عقل مشاهد يرى فيه «عمدة» بلا بطولات، لكنه الحكيم والداهية وصاحب الخبرة والمقام والمركز الاجتماعى.
مع مبارك أصبحت المسلسلات حقيقة واقعة، وترسخت أشكال أوبرا الصابون SOAP OPERA.
لماذا المسلسلات؟