من أمتع وأهم الكتب، التى قرأتها وأعيد قراءتها، بين حين وآخر، كتاب «فن الحرب»، الذى وضعه القائد العسكرى الصينى العظيم صن تزو، عام ١٥٥٥ قبل الميلاد، والذى لا يزال، حتى يومنا هذا، دستور كل العسكريين فى العالم، ودليلهم الأوّل فى القتال والمواجهات عظمة الكتاب تكمن فى أنه وضع مبادئ أساسية للمواجهات، ثبت نجاحها دومًا، عبر عشرات القرون.. ربما لهذا يتبعها القادة العسكريون حتى الآن.. ومن أهم القواعد، التى وضعها صن تزو، أن الانفعال والتعصّب هما أساس الفشل والهزيمة، لأن الانفعال والتعصّب يُذهبان العقل، ويطمسان الحكمة، ويضيعان فرصة الموعظة الحسنة..
وفى كتابه، يرشد صن تزو إلى كيفية استغلال حالة عمى البصيرة، التى ترتبط بالانفعال والاندفاع والتعصّب، لجذب الخصم نحو الفخ الذى أعددته له، فيسقط فيه كالبهيمة.. وفى كل حروب التاريخ، كان الانفعال الزائد، والاندفاع الأحمق، والتعصّب الأعمى، هى مقومات الهزائم الساحقة، والتدمير الشامل.. وكل الجيوش، التى انتهجت الوحشية وسيلة للقتال، انتهى بها الأمر إلى الدمار الكامل الشامل، فانسحقت وذهب ريحها، وكل ما أراقته من الدم بوحشية، تحوّل إلى نار التهمتها وأبادتها، على الرغم من الانتصارات التى تحقّقها فى البداية.. التاريخ يروى لنا هذا، ويكرّره فى كل زمان ومكان، ولكنّ الكثيرين لا يعتبرون بالتاريخ، ويتصوّرون أنهم سيكونون أوّل من يكسر قواعده، وأوّل من سيخالف قواعد النصر فينتصر..
التتار كانوا قمة فى القسوة والشراسة والوحشية، وحقّقوا بهذا انتصارات كبيرة، ولكن سرعان ما كان هذا سبب استماتة الكل فى قتالهم، فانكسر غرورهم، وانسحقت وحشيتهم، وذبحت شراستهم، وهُزموا هزيمة ساحقة، لم تقُم لهم بعدها قائمة النازيون أيضًا اعتمدوا الشراسة والوحشية، لأنهم افترضوا أنهم وحدهم لهم الحق فى الحياة، وكل من عداهم ليست له قيمة، ولا لحياته هدف... كانوا متعصّبين منفعلين مندفعين، وحقّقوا انتصارات كبيرة.. ولكن التاريخ فرض قواعده فى النهاية... انسحق الجيش الألمانى، وأبيد معظمه، وتحطّمت ألمانيا، وتم احتلالها وتقسيمها، ومنعها من النهوض العسكرى مرة أخرى، وحوكم قادتها، وأعدم بعضهم، وانتحر البعض الآخر، وخبت النازية، التى كادت تملك العالم يومًا، وبادت وفنيت، وصارت مجرّد صفحات فى التاريخ، يؤكّد بها أن قواعده لا تقبل الجدل، وأن التعصّب ينهزم وينسحق حتمًا، وإن طال الزمن..
واليوم نشاهد التعصّب ينمو فى العراق، ويمارس الوحشية والقسوة والتعصّب بلا حدود، ويتصوّر بعض الحمقى أنهم قادرون على الانتصار، وتحقيق ما يأملون به.. ولكن التاريخ المكتوب لم يخطئ مرة واحدة، عبر مئات القرون، ولست أظنه يخطئ اليوم أيضًا.. والذين يأملون فى أن تنهزم الأمة العربية، على يد جيش وحشى، عليهم مرة أن يقرؤوا التاريخ وإلا.. فهذا هو الفشل بعينه.