هل نحن نعيش فى قمع «كده كده» أم أنها حرية «كده وكده»؟
هناك من يغمز ويقول حرية أو يغمز ويقول قمعا، كثير مما نراه لا تستطيع أن تحدد على وجه الدقة ما المقصود بـ«كده».
لا أحد رسميًّا يقول الحقيقة. خُذ عندك مثلا، فى حكاية هامشية.. ما أسباب منع مسلسل «أهل إسكندرية»؟، السؤال الأهم: هل بالفعل تم المنع، أم كما تُشير بعض الأخبار المنسوبة إلى المسؤولين فى قناتى «المحور» و«الحياة» أن المسلسل سيعرض؟
رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى حسن حامد، برّأ ساحته تماما وأعلن أن خسارة فادحة تنتظره بسبب رفض بعض القنوات العرض، بحجة أن بالمسلسل تعريضًا بضابط شرطة فاسد، بينما الداخلية تؤكد أنها لا تتدخل فى عمل الرقابة، رغم أن كلنا شهود إثبات على أن الكثير من الأعمال الفنية تم إرسالها أولا إلى وزارة الداخلية فى عهد العادلى، وبعضها مضحك مثل فيلم «ضابط وأربع قطط» حيث تحفظت الداخلية على كلمة ضابط فأصبح «أسد»، لأنها تعتبر أن برستيج الضابط ينبغى أن يظل محاطا بالقدسية.
انتفضت الداخلية وأعلنت غضبها بعد فيلمى «حين ميسرة» و«هى فوضى؟» والفيلم الأخير كان اسمه «فوضى» فقط، فطالبوا بتغييرها ليتحول إلى تساؤل لا إقرار بالفوضى، الداخلية كذّبت تدخلها وهو إنكار يدخل تحت طائلة قانون «كده وكده».
ما موقف الدولة رسميا من بلال فضل وعمرو واكد وبسمة؟، ادَّعَوْا كذبًا أن عمرو بعد فوز السيسى أعلن أنه لا يشرفه الاحتفاظ بجنسيته المصرية، لتبدأ مواقع التواصل الاجتماعى النهش فى شرفه الوطنى. أنا موقن أن من أسهموا فى انتشار الشائعة من الإعلاميين يعلمون جيدًا أنها شائعة، ولكن هناك من يريد أن يغتال الرجل فى أعز ما يملك الإنسان وهو انتماؤه لتراب بلده.
بلال فضل غير مرحَّب بقلمه فى مصر حتى فى جريدة تسمح بهامش من الخلاف فى الرأى مثل «الشروق» توقفت عن نشر عموده اليومى، ولكنه لا يزال يُمسك بقلمه ويكتب دراما. هل المقصود منعه من التنفس؟
وتبقى بسمة التى قررت أن تصمت تماما عن الإدلاء برأيها فى الشأن السياسى حتى لا يورطها أحد فى تصريح أو رأى أو يحاسبها على آراء زوجها عمرو حمزاوى. لا أحد يذكر صراحة ذلك ضمن أسباب المنع، ربما يتم تمرير الأمر فى النهاية باعتباره قرارًا اقتصاديا.
لا توجد كثافة إعلانية والأبطال لا يملكون جاذبية على الشاشة، رغم أن الحس التسويقى فى مدينة الإنتاج الإعلامى المساهم الأكبر فى الميزانية، هو الذى يحدد فى النهاية توجه البوصلة، ولم توافق المدينة على الإنتاج إلا بعد أن تأكدوا من كل التفاصيل التجارية.
من حق المشاهد أن يحدد موقفه من فنان ما بالمقاطعة، ولكن يظل التساؤل عن موقف الفضائيات: هل تخضع للدولة أم تزايد عليها؟
البعض حريص على أن تصل الرسالة إلى الدولة بأنهم لن يسمحوا إلا بما يريده النظام الجديد. هناك مغالاة فى هذا الاتجاه، ولهذا أعجبنى موقف نجيب ساويرس عندما قال لمحمود سعد على قناة «النهار» إنه لا يمكن أن يوافق على منع يسرى فودة ووقف برنامجه على «أون تى فى»، وإن من يعترض على يسرى عليه أن يدير المؤشر إلى قناة أخرى، ولم ينكر تعرضه إلى ضغوط فى كل العهود. وأنتظر من ساويرس أن يعيد أيضا إلى شاشته ريم ماجد، فليس مطلوبا بعد ثورتين نادتا بالحرية، أن يركب الجميع العجلة مثل «القرموطى».
أين الحقيقة؟ لن تجد فى الحقيقة حقيقة تطمئن إليها تماما، ولكن سيظل هناك باب مفتوح للتأويل، طالما أن هناك دائما غمزة كده وغمزة كده!!