عزيزى القارئ.. نقترب الآن من العيد الأول لثورة 30 يونيو الهائلة التى توسل بها المصريون لكى يتخلصوا من عصابة الشر الفاشية السرية ويرسلوها إلى مزبلة التاريخ، بعدما شاهدوها بأعينهم وهى تسطو وتنشل ثورة 25 يناير ثم تصعد فوق جثة أهدافها النبيلة وشعاراتها الراقية وترقد لمدة عام كامل فوق صدر الدولة والمجتمع، لكن قبل أن يستفحل خطرها و«تتمكن» من سحبنا إلى مهاوى الاحتراب الأهلى والتدمير الذاتى والخراب المستعجل عاجلها بضربة هائلة كسرت، بل سحقت شوكتها السامة، مرة واحدة وإلى الأبد.
ولكى لا ننسى ما جرى فى «عام الجمر» الذى مر على هذا الوطن وهو فى قبضة عصابة «إخوان الشياطين»، دعنى يا عزيزى أنعش ذاكرتك بسطور حكاية كتبتها هنا فى مثل هذه الأيام من العام الماضى (قبل نحو أسبوعين من انفجار بركان 30 يونيو) وملخصها أننى فى إحدى ليالى عصر نظام الأستاذ حسنى مبارك وولده التقيت صدفة فى مكان عام بوزير كان نجما من نجوم «أطفال أنابيب التوريث» المنتشرين آنذاك فى أركان ودهاليز السلطة العليا، والحق أن الرجل أقبل على العبد لله مصافحا بحرارة، لكنه سرعان ما باغتنى متسائلا برقة وظرف مصطنعين: يا أستاذ فلان، مش ناوى تخف عنا شوية بقى؟! فجاوبته: وانتم مش ناويين ترحمونا وتخفّوا عن مصر وأهلها من فيض البلاوى بتاعتكم، ولو شوية؟!
لم يرد الوزير، إنما هتف فجأة قائلا: تعرف يا أستاذ فلان إحنا مشكلتنا إيه مع الرأى العام فى البلد؟ بسرعة قلت معلقا: هل تظن سيادتك أن مشكلتكم مع البلد مشكلة واحدة فقط؟!
تجاهل تعليقى، وشرع يجاوب عن سؤاله قائلا: أنا باتكلم بجد والله.. إحنا مشكلتنا أننا ليس عندنا فنانون كبار مثل عبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وصلاح جاهين وغيرهم، الذين كتبوا وغنوا لإنجازات عبد الناصر فى الخمسينيات والستينيات..!!
قال الرجل هذا الكلام الفارغ بفخر وحماس شديدين، ثم راح يتفرس فى وجه العبد لله باحثًا عن أثره، لكنى كنت غارقًا فى «كريزة ضحك» خرجت منها بصعوبة شديدة، وقلت له إن نظريته هذه تذكرنى بنكتة تحكى عن رجل قرر أن يبيع «كنبة» فى بيتهم، لكى يحل مشكلة أن زوجته تعودت الجلوس (فى أوضاع غير لطيفة) مع رجال غرباء على هذه الكنبة.. ثم سألت الأخ الوزير: طيب دعنا نفترض أن المولى تعالى أفاء عليكم بشعراء ومغنين من قامة عبد الوهاب وعبد الحليم وجاهين وأمثالهم، بماذا كانوا سينشدون فى رأيك؟ أيام عبد الناصر كانوا يغنون للسد العالى والمصانع والمزارع والمعاهد والمدارس والثقافة ونور العلم الزاحف على ربوع الوطن.. الآن ماذا لديكم يصلح موضوعًا للغناء والإبداع؟! هل الخصخصة والفساد والتبعية وتبديد ثروات وهدم صروح لم تبنوها أمور تنفع فيها الأغانى؟!
بُهت الذى كفر، وساد صمت ثقيل قطعته أنا قائلا، وكأنى أستدرك: ومع ذلك أنا آسف، هناك فعلا حاجة ممكن حضرتك تلاقى حد يكتبلك فيها أغنية هابطة، أقصد مشروع «الصكوك» اللى جنابك اخترعته كوسيلة سهلة لبيع ما تبقى من ثروة مصر على قارعة الطريق!!
الطريف أن هذا الوزير وحكومته والمخلوع رئيسه نظام، وولده، جميعهم تراجعوا عن مشروع «صك» مصر على قفاها، لكن ورثتهم من جماعة الشر السرية «نشلوا» هذا المشروع الإجرامى وجعلوه أكثر سوءًا وفجورًا وفحشًا، ثم نسبوه إلى أنفسهم.. يعنى حتى فى الجرائم كذابون!!