مداخلة (فى أحد أيام شهر رمضان الماضى وبعد صلاة العشاء اعترض طريقى رجل متسول وقبل أن يفتح فاه قدمت له أكثر مما كان سوف يطلب فوجدته يسألنى سؤالا أتعبنى كثيرًا وكان ردى عليه نوبة ضحك وقلت حتى أنت أصابتك لعنة الشهادات). ولم يعد أحد يهتم هل الطالب الذى سوف يتخرج هذا العام (أى عام) سوف يقدر أن يعارك الحياة ويتغلب عليها؟ أم سوف يفشل ويرفع راية الفشل كالعادة، وأصبح لا أحد يهتم بقيمة وجودة ما تنتجه المدارس والجامعات، لأن المهم هو الذهاب إلى المدارس مثل باقى دول العالم كى يقال إن بمصر مدارس وطلابا ومدرسين. وكذلك لا أحد يهتم بقيمة وجودة ما تنمّيه الجامعات، أى لا أحد يهتم بالقيمة البراجماتية للتعليم الجامعى. والتى هى إنتاج أجيال قادرة على معاركة الحياة والتغلب عليها بأقل مجهود وبأقل تكلفة. فإن حدث ذلك يمكن أن تقول إننا لدينا تعليم، وإنه يمكن أن نلحق بركب الدول المتقدمة عنا فى كل شىء بداية من أبسط الأشياء.. لأن الحياة ليست كما نتخيل ونعيش فيها على (الشمال) فهى، أى الحياة، مسؤولية ألقيت على عاتقنا وسوف نحاسب عليها.. أى: هل كنا قدر المسؤولية أم قضيناها عبثًا فى عبث؟
ونتيجة لهذا العبث التعليمى.. الذى لا يُكَوِّن لدى الطالب قاعدة ثقافية تجعله يفهم كيف تسير الدنيا، وكيف تتحرك الأشياء وقد نتج عن ذلك هذا العبث الذى حدث فى جامعة الأزهر على مدار الأيام السابقة، وأخطر ما قدم لنا هذا التعليم هو الإحساس بالتميز، أى يحس الطالب بالتميز بالشهادة التى حصل عليها بفلوسه. وأصبح التمييز مرضا عضالا أصاب المجتمع فى مقتل، وأصبحت ثقافة التميز هى الثقافة التى تعم المجتمع من أعلاه إلى أدناه وبالعكس، مع أن التميز ليس بصفة حسنة، وإنما داء إن أصاب الإنسان وتمكن منه فإنما يفسد عليه حياته ويورده موارد التهلكة. والحديث الشريف يؤكد ويوضح لنا أن الجنة لا يدخلها من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر. والتميز صفة تخص إبليس وكفار قريش واليهود ومن يدور فى فلكهم. وكان أخطر ما قدمه الإخوان والفِرق الدينية من بعد «25 يناير» هو إحساسهم العالى جدا بالتميز عن باقى أفراد الشعب الذى هم منه، ولا يمكن أن ينفصلوا عنه.
وهم بالتميز أوجدوا شيئا لم يكن موجودًا، لأن الإسلام جعل الناس واحدًا أى.. ألقِ السلام على من تعرف ومن لا تعرف (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) حديث شريف. لكن الإخوانى لا يلقى السلام إلا على الإخوانى والسلفى كذلك. ومن هنا لم نعد نجد من يلقى السلام على من يعرف ومن لا يعرف، وأصبح المدرس يحس بأنه مميز، فلا يلقى التحية إلا على من كان مثله.. وموظفو الأوقاف كذلك وتم تقسيم المجتمع تقسيما ينذر بكارثه.. وأتى التعليم ليؤكد هذا التقسيم ويجعل منه أمرًا لا مفر منه.
حسين عبد العزيز