تلقيت تقريرا فى "المصرى اليوم"، مساحته 360 كلمة، يرغب مدير التحرير، فى اختصاره لـ200 كلمة، ليتناسب مع المساحة المخصصة له، حينما قرأته شعرت بالغربة فى وطنى، وأشفقت على كل من شملهم هذا التقرير، وغيرهم.
لو أن الأمر بيدى، لخصصت له 360 صفحة من صفحات "المصرى اليوم"، بل 360 عددا، وليس 360 كلمة.
التقرير الذى تلقيته، وكتبه الزميلان كمال مراد، ومحمد السنهورى، يتعلق باستغاثة أرسلها 138 من خريجى كلية الحقوق، دفعتى 2010- 2011، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى، بسبب استبعادهم من قبل المجلس الأعلى للقضاء، من تعيينات النيابة، رغم اجتيازهم جميع الاختبارات والمقابلات، وإعلان المجلس تعيينهم فى وظيفة معاون نيابة.
هؤلاء تم استبعادهم ليس لسبب سوى لعدم لياقتهم اجتماعيا، وعدم حصول الوالدين مثلا على مؤهل عال!!
حينما توجه المواطنون فى يناير الماضى، خاصة الفقراء منهم، إلى صناديق الاستفتاء على الدستور، كانت المادة 53 منه من أهم المواد التى يشعرون أنها ستعوضهم عن السنوات العجاف التى عاشوها، وهم يشعرون بالغربة فى وطنهم.
تنص تلك المادة، على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
فى التقرير الذى تلقيته، توفى مزارع بسيط ينتمى لمحافظة سوهاج، والد أحد هؤلاء الخريجين الذين تم استبعادهم، متأثرا بصدمته من ذلك الخبر، بعد إصابته بجلطة فى المخ.
فى التقرير، أيضا، سألت "المصرى اليوم"، أحد أعضاء مجلس القضاء الأعلى المسؤولين، عن سبب استبعاد هؤلاء، فاعترف بوجود معيار الصلاحية الاجتماعية والاقتصادية ضمن معايير قبول الخريجين، وأن مجلس القضاء الأعلى، يختار قضاة لابد وأن يكونوا مكتملين من جميع الجوانب، وتكون هناك نسبة للمجموع ونسبة للصلاحية الاجتماعية عند الاختيار!!
قال المصدر القضائى "رفيع المستوى"، فى التقرير، تعليقا على إرسال عدد من المستبعدين خطاب استغاثة لرئيس الجمهورية: "الرئيس أكد من اللحظة الأولى حرصه على استقلال القضاء، وليس من حقه التدخل في أمر يتم نظره أمام مجلس القضاء الأعلى". وبالأمس القريب، بادر الرئيس السيسى، وأعلن عن أنه لن يحصل سوى على نصف راتبه من الدولة، وسيتنازل عن نصف ممتلكاته لمصر.
إذا كلفت نفسك قليلا بالبحث عمن نُسميهم بأعتى القضاة المناضلين، فستجد منهم على سبيل المثال، من يعمل نجله فى مستشارا فى مجلس الدولة، ونجلته وكيل نيابة بالنيابة الإدارية، وتراهم يتحدثون على النزاهة والاستقلالية.
إذا كان ليس من حق الرئيس أن يتدخل فى هذا الأمر، رغم أن بيده سلطة التشريع الآن، ومنوط به تطبيق الدستور ومواده، ومطالب بإقرار قانون يزج بمن يتجاوز هذا الدستور إلى السجون، فإنه بادر لكل من يريد الاستئثار بمقدرات هذا الوطن، وتنازل عن نصف راتبه وممتلكاته، وعليكم أنتم الآن أن تحذو حذوه.
نحن المواطنون غير اللائقين اجتماعيا فى هذا الوطن، لا نطلب من القضاة وأساتذة الجامعة ضباط الجيش والشرطة، سوى القليل، فقط نصف الوظائف التى تخصصوها لأبناءكم وأصحاب الحظوة من أقربائكم، لا نقول لكم لا تحتفظوا بها لـ"الفاشلين من أبناءكم"، ولا تقبلوا منا كل من "هب ودب"، لكن اقبلوا كل من "كد وتعب وتفوق".
باختصار يا سادة، لا تدفعوا شباب هذا الوطن، إلى ما فعله عبد الحميد شتا، حينما قرر الانتحار بعد استبعاده من التعيين فى الخارجية، اتركوا لنا مساحة نتنفس فيها فى هذا الوطن، ولا تحصرونا فى تقرير مساحته 200 كلمة بـ"ـصفحة جريدة"!!