هل هذه تُسمِّيها «حياة»؟
السؤال صعب فى وسط الهستيريا الحاكمة لكل شىء. العقل غائب والخوف مسيطر ولا يمكن أن تبنى فكرة منطقية أو منطقًا أو حتى مجرد تصور عن حياتك.
الحياة فى الهستيريا خارجك تماما، لأنه لا يمكنك السيطرة على الخوف الذى يحتلك..
أنت لا ترى «البؤس» رغم أنك غارقٌ فيه إلى قمة الرأس.. كيف تبرر القتل أو السجن أو نشوة الدماء؟! كيف تحرض على تعذيب أو إهانة أو سجن إنسان مثلك له حياة وتتصور أنك يمكن أن تستمتع بحياتك؟
قبل عام تقريبًا قتلت مجموعة سلفية متوحشة الشيخ حسن شحاتة ومثلت بجثته هو والعائلة التى استضافته، يومها بررت فرقة القتلة مذبحتهم بأنهم «شيعة»، وكورس التبرير امتد إلى حزب الحرية والعدالة الذى كان حاكما وقتها.
بعد أسابيع قليلة وجد الذين برروا وحرضوا وصرخوا «اقتلوهم» من يفعل ذلك معهم ويبرر كل جريمة مقابل التخلص منهم.
أكتب هذا وأعرف أن الهستيريا مانعة للتفكير، وتحول الواقعين تحت أسرها إلى صيادين بدائيين يحركهم الرعب.
أكتب هذا بينما عاد جيران وأقارب يتصلون من جديد طلبًا للتدخل فى حل أزمات أو مشكلات.. عادوا إلى وضع بائس تمامًا كنت أتمنى أن نغادره إلى الأبد.
أقصد بالتحديد: أننا عدنا إلى البحث عن «ضهر» كأساس للتوافق مع قوانين وقواعد المرحلة.
وهذا موضوع أكبر من السيسى.. أو بمعنى آخر ربما يكون السيسى مشغولا بأمور ليس من بينها إصلاح أجهزة الدولة أو تطوير الكفاءة أو إعادة بناء الدولة، لا ترميم سلطويتها التى ظهر فشلها.
الفشل طال عمره أيام مبارك، لأنه تسلم الدولة من وضع «ثبات» وهو طار بها تحت الرادار ليثبتها أكثر فى أوضاعها.. وعشنا ٣٠ سنة يبحث الشاطر منا عن طريقة يسترزق بها من عصر انحطاط طويل، وقطاعات كبيرة استهلكت حياتها فى البحث عن ضابط ورجل أعمال أو شخص مهم صاحب نفوذ يحميها ويوفر لها حياة مميزة.
مبارك وزع توكيلات التميز على مجموعة صغيرة، صاحبة نفوذ وسطوة، يسعى كل فرد فيها للانضمام إلى الحماية.
البلد كلها كانت تبحث عن «ضهر» يحميها من سفالات أمناء الشرطة أو تعديات صاحب أملاك طماع.
والشخص الباحث عن الأمن كان يقضى نصف عمره فى البحث عن «ضهر» يسهل القرب منه الحياة الصعبة، ربما يكون ضابط شرطة يعفيك من الغرامات ومن الوقوف فى طابور رخص القيادة أو يصنع لك هيبة كاذبة أمام خصومك.
الضهر يمكن أن يكون موظفًا كبيرًا يُسهل الحصول على قرض فى بنك أو يعبر حواجز الموافقات على مشروع استثمارى.
هذا التوافق مع النظام القديم يحول الشخص إلى مسخ بشرى ينزع الروح الحرة ويحولها إلى روح شرسة تدوس على الآخرين لتدارى ضعفها.
فمن يعِش فى كنف القوى أو فى حماية «واسطة كبيرة» يفقد الجزء الهام من جهاز القيم الذى يحدد ويرسم المواقف والقرارات والانحيازات.
من دون جهاز القيم يتحول الشخص إلى مسخ مدجن يتوافق مع كل القيم السلبية ويمنحها صفات أخلاقية.
كيف يمكن التوافق مع عصر حكمه لصوص أهانوا كرامة كل ضعيف لا يملك رقم تليفون «كبير» يحميه؟
كيف يمكن العودة إلى هذا الوضع الكابوسى؟
كيف تسميها «حياة» إذن؟