حسام محفوظ22 يونيو 2014 07:33 م
>> المذيعة أغلقت الهاتف فى وجه سفير دولة كبيرة رغم أن ظهوره فى برنامجها شرف لها يستحق عليه الشكر
للأسف ما زال الإعلام المصرى يصر على إبهار العالم كل صباح ومساء، ويبدو أن الانفلات الأمنى الذى يستمر صداه مترددا فى الشارع المصرى قد أثار غيرة الإعلاميين، فصار هدفهم هو تمرير الانفلات الإعلامى، خاصة على شاشات الفضائيات، كى نبهر العالم بمدى الفوضى والعبث اللذين نستطيع عرضهما على الشاشة بلا خجل أو شعور بالذنب.
ظاهرة إعلام «المصاطب» ما زالت تسيطر على القنوات الفضائية، حيث يعتبر المذيع (أو المذيعة) نفسه جالسًا على مصطبة أمام بيته أو دواره الخاص، وبالتالى من حقه أن يفعل ما يريد ويقول ما يريد ويظهر بالقناع الذى يريحه.. وإذا كان توفيق عكاشة قد بدأ هذا الطريق قبيل ثورة يناير بقليل فإن خلفاءه على الشاشة كثيرون، بعضهم لا يملكون مهاراته المصطبية.
الإعلام مسئولية، لأن الذى وضعك على الشاشة يتحمل مسئولية أنك ستدخل (أو تدخلين) كل بيت مصرى، وستتحدث (أو تتحدثين) بلسان الناس فى القضايا التى تهمهم، وباللغة والأسلوب الذى يقبلونه، وهو الامتحان الذى يفشل فيه الكثير.
آخر مظاهر هذا الانفلات الإعلامى حدثت الأسبوع الماضى على قناة «التحرير»، عندما قامت المذيعة السيدة رانيا بدوى بما لم يعرفه الأولون وأتت بما لم يستطعه الأوائل، عندما استضافت سفير إثيوبيا فى القاهرة محمود دريدر غيدى هاتفيًا فى برنامجها الذى يذاع على قناة «التحرير» (التى ظهرت بعد ثورة يناير باسم وفريق عمل يوحى بتوجه معين، ثم لأسباب مالية أصبحت تسير نحو توجه مختلف تماما)، وأثناء نقاش حول سد النهضة تكرر فى الإعلام المصرى ألف مرة قبل ذلك، أغلقت المذيعة النابهة سماعة الهاتف فى وجه السفير بكل قسوة، وأملت عليه سيلا من الإرشادات حول طريقة التعامل مع الإعلام، فى مشادة مفتعلة تصلح لسيناريوهات مسلسلات رمضان.
المذيعة كانت تريد من السفير أن يقبل أن تدير مصر السد مع إثيوبيا، وكأنها لا تعرف أن هذه مخالفة خارقة للسيادة الإثيوبية على أرضها، فتخيلوا أن تطلب منا دولة أخرى المشاركة فى إدارة قناة السويس، وعندما نبهها السفير إلى أنها لا تعرف شيئا عن السدود وأن أسلوبها متعالٍ ولا يضيف شيئًا للقضية غضبت ولقنته درسًا فى الأخلاق ثم أغلقت الهاتف.
ما حدث من الإعلامية رانيا بدوى هو مثال أكاديمى للعزة بالإثم، وهى لا تعرف أنها عندما تخاطب سفيرًا فهى تخاطب دولته، وإثيوبيا– بعكس ما تظنه رانيا- ليست دولة هينة بالمرة، وهى من حيث المساحة وتعداد السكان تناطح مصر بل وتتفوق عليها، من حيث الحضارة والثقل التاريخى تقف رأسًا برأس مع الفراعنة، فلا يوجد أى داع للتعالى الغريب الذى تعاملت به رانيا مع القضية وعلق عليه السفير نفسه متضايقًا، والرجل كان يجيبها بالإجابات الرسمية التى بالتأكيد أجابها ألف مرة لوسائل إعلام مختلفة، لكن الست رانيا كانت ترى أنها أكبر من مثل هذه الرسميات، وأن على الرجل أن يبدى آيات الخضوع والمهانة طالما حظى بشرف الظهور على شاشة قناة «التحرير».
فريق عمل الإعلامية المنفوخة كان يجب عليه أن يشرح لها أن قبول السفير للظهور فى برنامجها هو فائدة للبرنامج وليس للسفير، وأنه فى هذه الحالة ضيف يجب أن يشكر على تخصيص جزء من وقته للبرنامج، بدلا من إهانته– وبالتالى إهانة بلده- على الهواء، وهو ما قد يتسبب فى أزمة دبلوماسية، إذا ما كانت إثيوبيا فعلا «بتتلكك» لمصر كما حاولت المذيعة النابهة أن توحى.
ما فعلته المذيعة النابهة لا يهدد مستقبل مصر المائى أو أى شىء من هذا القبيل كما يخشى البعض، فهى لا تمثل حكومة مصر أو النظام المصرى أو شعب المصب، هى فقط تمثل طائفة من الإعلاميين ابتلانا الله بهم، يظنون أن الحكمة ستنبت فى رءوسهم فجأة لمجرد أن كاميرات معينة تسلط عليهم فى استوديو مكيف.. وقانا الله وإياكم شر غضبة المذيع النابه.