إذن كأن شيئًا لم يكن، وكأننا نسينا ثلاثين يونيو فى اثنين وعشرين يونيو، أول من أمس، حيث زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيرى مصر، هذه زيارة كل ما فيها كان مكررًا وكل ما فيها كان سخيفًا.
وقف الرجل فى مؤتمر صحفى بعد لقائه رئيس جمهورية ثلاثين يونيو يقول لنا إنه تحدث مع رئيسنا عن القضاء المصرى، وطالبه بالإفراج عن سجناء، ويعلن أنه سمع من الرئيس المصرى تعهدات بالديمقراطية.
لماذا لم يطلب أحد من هذا الرجل أن يخرس؟
إنها نفس الروائح القديمة تزكم الأنوف. وزير أمريكى يأتينا كأنه مفتش عام الديمقراطية على مصر، ويعطينا شهادة حسن سير وسلوك، ويتكلم بمنتهى الصفاقة عن طلبات وَقِحَة أسمَعَها رئيسَنا ويسمِعها لنا.
هذه عودة بغيضة سريعة إلى الدائرة الأمريكية ننصت فيها لتدخُّل سافر، ونسمح فيها لنصائح مبطنة بالتعليمات، وبتلميحات ذات استعلاء مقيت.
لا أعرف ما الذى قاله السيسى لكيرى فى لقائهما المغلق، لكنْ لا بد أن ينفتح باب هذا اللقاء لنعرف. كثير من المصريين يعتبرون السيسى نفسه علامة على الاستقلال الوطنى ضد الإملاء الأمريكى، وموقفه فى ثلاثة يوليو كان استدعاءً للكبرياء والوطنية المصرية فى مواجهة الاستعلاء الأمريكى. وشخصيًّا أعتقد أن لهجة السيسى كانت قوية مستمدة من إرادة الشعب المصرى الذى أعلنها ناصعة ساطعة فى ثلاثين يونيو، ولكننا لم نسمع من التصريحات الرئاسية التى صدرت بعد الاجتماع إلا كلامًا مكررًا عائمًا غائمًا مما كنا نسمع نفس حروفه من الرئاسات السابقة، ولم نرَ من وزير خارجية السيسى إلا كلامًا خشبيًّا باردًا ومكرورًا فارغًا، مما كان يردده ويلوكه وزراء خارجية الرئاسات السابقة.
أين رفضُنا الحاسم للتدخل الأمريكى؟!
أين الحساب للموقف الأمريكى منذ ثلاثين يونيو ودعم واشنطن السافر والسافل للإخوان ضد الشعب المصرى؟!
ما كل هذه الحِنِّيَّة والرقة مع كيرى كأننا كنا ننتظر عودة الحبيب الغائب؟!
ما كل هذا النسيان للحصار الأمريكى لنا منذ ثلاثين يونيو كأنها لم تكن حربًا أمريكية سياسية دبلوماسية مخابراتية حاولت كسر إرادة الشعب المصرى؟!
لم أشعر بأى تغيير فى سياسة مصر تجاه أمريكا خلال زيارة كيرى، بل العكس، شعرت جمودها عند أسوأ لحظات العلاقة فى العهود القديمة، كأننا ننافس مبارك ومرسى فى الحب! فجاءت التصريحات من «الرئاسة» ومن «الخارجية» بذات اللهجة الدفاعية عن النفس، الفخور بعلاقة شائهة، ومتجاوزة عن التدخل الأمريكى فى شؤوننا، كأن الأخ كيرى المفتش العام قد اطمأن إلى أننا عملنا الواجب.