هل قرأت شهادة سامر عمر؟
سامر صحفى فى «الشروق»، وروى ما حدث له ومع غيره فى ساعات قبل خروجه من قسم البوليس.. وفى روايته فيها ما أعتبره «أهوالا»، ويمكن أن يعتبره غيرى «عادى بيحصل».
لكن المهم فى قراءة الشهادة بعيدًا عن التبرير أو التهويل أنها كاشفة عن رغبة حميمية فى العودة إلى ما قبل ٢٥ يناير.. وبدون قوة وسيطرة المؤسسات الساعية على هذه العودة، وهذا ما يجعلها تفقد أعصابها أو تزيد من جرعة البروباجندا أو الدعاية لتبرير العجز وعدم الكفاءة أكثر من قدرتها على تبرير الوحشية.
الشهادة تكشف عن ارتباك فى جهاز الشرطة إجابته السهلة المريحة: نفذ الكتالوج القديم.. والأقدم منه إن أمكن.
الشرطة كما يبدو من شهادة سامر لم تعد إلى عصر حبيب العادلى، لكن إلى زكى بدر، حيث «البلطجة.. هى الحل» وعلى الجميع.. وهى سياسة أدت إلى رفع زكى بدر إلى درجة الأسطورة عند الضباط، بينما كانت الحالة الأمنية والسياسية أقرب إلى الحضيض.
عودة الأمن ليست عودة جبروت ضابط الشرطة.. أو تحويل الأقسام إلى مسارح استعراضية لتوحش بلا حدود.. يبدأ (وكم أجاد فى الشهادة) بضرب الشباب بالكرباج، ولا تنتهى عند الصرخات من مكتب رئيس المباحث وضابط آخر يصرخ فى الفرائس التى تم اصطيادها: «إنتو تستاهلوا إعدام».. أما الكوميديا فكان لها مكان فى الشهادة حين ألقى القبض بالخطأ على اثنين من البلطجية فتوجه أحدهما إلى الضابط: «يا باشا إحنا اللى نزلنا عمرو باشا علشان نضربهم».
الأهوال بالنسبة إلىّ أن عملية الصيد البدائى التى تمت للشباب لا تمت لتنفيذ قانون التظاهر نفسه/ العملية كلها تخالف القانون الذى يرفضه الشباب/ وهذا عبث الشرطة التى تستعرض قدرتها على الإذلال والقهر والسادية لا أكثر.. إنها لا تنفذ القانون، لكنها فى استعراض انتقامى يسعى إلى ترميم سطوة ضائعة.
الاستعراض لا يحقق الأمن ولكن الرعب.. فالبلطجى الذى أمره الضابط بضرب المتظاهرين هو نفسه الذى يمارس بلطجته يوميا على الأضعف/ وعلى الجميع/ وهو «تحت الطلب» ورهن إرادة من يستخدمه.
المطلوب إعلان سطوة الباشا وليس تحقيق الأمن.. ورمز استخدام الكرباج يفضح تلك النفسيات البدائية التى تعانى من مرض السلطة الذى يقودها إلى إجرام دمر مجتمعات أنقذت نفسها بمعاقبته، بينما تعيش مجتمعات أخرى صراعها مع المجرمين/ المرضى الذين يقاتلون من أجل إحكام قبضتهم.
هؤلاء لا يصنعون الأمن، لكنهم يديرون الجريمة، وهذا هو سر ما سميناه سنوات ما بعد الثورة «الانفلات الأمنى».
إنهم يحاولون بناء خرافة تافهة اسمها «الهيبة».. وهى خرافة لأنها ترتبط بعصور متخلفة تفرض فيها هيبة شخص/ فتوة/ طاغية، بينما المجتمعات التى قدمت الهيبة انتقلت إلى قيم أرقى اسمها القانون/ المصلحة العامة/الإنسانية.
الباحثون عن هيبتهم يرون فيها الوطنية، بينما الرافضون لمفاهيمهم هم «خونة» أو «جواسيس».. وهنا ليس أمامى إلا أن أعيد عليهم ما كتبته فى نفس المساحة منذ سنوات وبعد محاولات استخدام نفس الأسلوب والطريقة وعمليات بناء الهيبة وتخوين الخارجين عنها.. كتبت يومها: كلنا جواسيس.. نعم لم يقم بالثورة غير الجواسيس!
كيف تحملنا؟ والحقيقة كيف تحملتم ٣٠ سنة من السرقة والنهب والإهانة وضياع العمر فى البحث عن كبير تعيشون فى ظله؟
هل هذه هى «الوطنية» التى يعتبر الخارج عنها «جاسوسًا»؟ حكم مبارك باسم «وطنية» كانت ترى فى كل المعارضين عملاء وواجهات لقوى خارجية.
مبارك كان يتحدث عن «المصالح العليا للوطن» التى لم تكن سوى قيم غامضة يمكنه باسمها أن يروض شعبًا كاملا، إما بالتخويف وإما بالتخوين.
«الوطنية» هى الطاعة فى رأى من يمسك السلطة، ويروض الشعب إلى الطريق الذى يريد.
كلنا جواسيس نحلم بمصر جديدة.. لا نحكم فيها بالكرباج.