فى العالم كله لو رصدت نسبة انتقال جينات الآباء والأمهات إلى الأبناء فى المجال الفنى والإبداعى، المؤكد أن الأمر لن يتجاوز 10%، بينما فى مصر وخلال السنوات العشر الأخيرة حطَّمنا كل قواعد علم الوراثة تحطيمًا، أثبتنا بما لا يدع مجالًا للشك أن «المصريين اهمَّه.. حيوية وعزم وهمّه.. وتوريث»، 90% من أبناء الفنانين صاروا هم أيضًا فنانين، ابن المطرب مطرب، وابن الممثل ممثل، وأبناء الكُتَّاب إما أنهم كُتَّاب مثل آبائهم وإما مخرجون يقدِّمون نصوص آبائهم.
أسقطت ثورات الربيع العربى هذا السيناريو فى العديد من الجمهوريات العربية، مصر وتونس وليبيا واليمن، بينما لا يزال بشار يقاوم ولا يزال أبناء الفنانين يقاومون أيضًا.
تستطيع أن تقرأ مسلسلات رمضان باعتبارها تعبّر عن الصراع العائلى بين أكبر نجوم الدراما المصرية، عادل إمام ومحمود عبد العزيز ويحيى الفخرانى، كل منهم اصطحب معه أفرادًا من قبيلته ليساندوه فى ساحة الوغى، وهو ما يتكرَّر لثانى وأحيانًا ثالث مرة فى رمضان، عائلة «إمام» يواصل عميدها معركة الدراما الرمضانية بمسلسل «صاحب السعادة» بعد مسلسلَيه «فرقة ناجى عطا الله» و«العراف»، ولثالث مرة رامى، بينما يشاركه ابنه محمد البطولة لثانى مرة.
أما عائلة «عبد العزيز» المكوَّنة من ابنَيه محمد، الذى ينتج مسلسل «جبل الحلال»، بينما يلعب البطولة أمام والده «كريم» بعد مسلسل «باب الخلق»، ويدخل الفخرانى المعركة بمسلسل «دهشة» بعد أن أسند مهمة الإخراج إلى ابنه شادى فى ثانى عمل فنى بعد «الخواجة عبد القادر».
لن يذكر أحد من النجوم الثلاثة أنه رشَّح ابنه ولا أقول فقط أصر على ترشيحه، الكل يؤكِّد أنه فوجئ بأن جهة الإنتاج تختار الابن، ليس لكونه ابنًا، ولكن لما يتمتع به من مواهب استثنائية، وأنه قد حاول مرارًا وتكرارًا ترشيح آخرين، ولكن هيهات.
عادل فى كل أحاديثه يقول إن رامى مخرج متميّز، وإن تجربته التليفزيونية فى رمضان قبل أربع سنوات مع هند صبرى فى «عايزة أتجوّز» هى التى رشَّحته لمسلسل «فرقة ناجى عطا الله»، وأن ابنه محمد هو زعيم الكوميديا القادم فى العالم العربى، وأنه لعب البطولة المطلقة فى فيلم «البيه رومانسى»، وأن هذا يعد تنازلًا منه أن يوافق على أن يمثِّل بجوار والده بطولة مشتركة، وهو أيضًا ما سوف يذكره محمود عبد العزيز عن ابنيه كريم ومحمد. بالتأكيد الفخرانى يتمنَّى العمل معه عشرات من المخرجين، كل منهم ينتظر إشارة، وبالمناسبة قدَّم شادى فى العام قبل الماضى واحدًا من أفضل المسلسلات «الخواجة عبد القادر»، وكان أيضًا من أصعبها فى التنفيذ، لتداخل الأزمنة وتلك المسحة الصوفية التى كانت تسكنه، ولكن شادى ليس الوحيد الموهوب فى جيله، هناك مَن يستطيع أن يضيف على الشاشة ما هو أكثر.
فى دنيا السياسة يختلف الأمر عن عالم الفن، فى السياسة من الممكن فى ظل شروط معينة وقبضة دولة قوية وأجهزة أمنية لها عيونها تستطيع أن تفرض التوريث ولو إلى حين، ولكن فى الفن لن يتمكَّن الكبار من ضمان وجود أبنائهم على الساحة إلا لفترة زمنية محدودة.
هل يكذب الآباء عندما يؤازرون أبناءهم؟! الحقيقة أنهم لا يستطيعون أن يكونوا محايدين، ولهذا يعتقدون أنهم موهبون، الآباء أحكامهم دائمًا منحازة وكأنهم يقولون للآخرين: «خدوا عينى شوفوا بيها». إلى متى سيستمر بشار الأسد يحكم سوريا ومحمد إمام بطلًا على الشاشة؟!