هناك سباق على الابتزاز..
أو رغبة فى الاستحواذ على سلطة «الابتزاز» باسم الدين..
وهذا ما شغلنى فى حكايات القاهرة هذا الأسبوع.. خصوصا أنه بعد استقرار السيسى على مقعد الرئاسة بدأ السباق الخفى/ المعلن على من سيبتزّنا أكثر بعد الإخوان..
وكما نعرف.. انتشرت الورقة الغامضة بقوة أكثر منها غموضا. التفسيرات حائرة كتنظيم خرافى، كما تخيلت العقليات الأمنية أو التى تسير على دربها.. ولّا لأن هناك مخابرات أجنبية تقيس مدى تديّن المصريين، كما تفلسف بعض الدعاة التليفزيونيين.. ولّا.. كل التفسيرات التى جعلت وزارة الداخلية تطاردها فى كل مكان.
هل صليت على النبى اليوم؟
سؤال ليس موجها من أحد لكنه لكل شخص عاش حقبة الابتزاز الدينى ونشر الكآبة العمومية عبر تنظيمات تتوالد من العنف إلى الاعتدال وبالعكس.
الورقة انتشرت كمنشور جماعة سرية لكنها قادرة على إعلان منشورها وتعليقه على السيارات، وفى المحلات. تكاثرت الورقة/ المنشور فى فراغ لا حدود له، كأنها استدعاء لزبائن يُخشى من انفراطهم. «غزوة» تستلهم طريقة «تمرد» فى الانتشار فى أثناء حكم مرسى، عندما كان يُطبع البيان بطريقة بدائية، وينتشر بجهود خارج منظميه.. لكنها هنا فى اتجاه عكسى من «تمرد» على السلطة إلى التذكير بسلطة غائبة أشعرت المجتمع كله بالذنب.. وقادته إلى دروبها بداية من السؤال: «هل إسلامك صحيح؟».
الزبائن التقليديون للابتزاز والكآبة تعاملوا بحنين مع المنشور الغامض ووصلتهم الرسالة المشفرة لتجميع العواطف المرتبكة الآن انتظارا لما سيسفر عنه حكم الجنرال؟
ولأن كل ما يرتبط بالشعار الدينى يتم التعامل معه بمنطق «أيقونات البركة» أو «طرد اللعنات».. فإن تعليق الورقة يكفى لغفران الذنوب اليومية، أو «ضريبة» مسبقة عن ذنوب قادمة.
المهم أن اسم النبى أو الأسماء الإلهية مثل قراءة القرآن فى محلات فارغة حفظًا أو خوفًا أو استدعاء للسند الإلهى.. وهذا ما تلعب عليه الورقة الغامضة فلن يُضارّ أحد من تعليق السؤال السلطوى/ المحرض على التمتمة بالصلاة على النبى/ أو المخلصة من معصية الكسل عن الصلاة. الورقة/ المنشور تعنى أيضا مشاركة فى بناء شبكة واسعة بين قطاعات مجهولة/ أو توحيدا نفسيا تعويضا عن الوجود السابق للجماعات المنبوذة الآن فى ما تسميه البروباجندا الرسمية النسيج الاجتماعى.. ولأنها مفاهيم ركيكة فيمكن إثارتها بفعل يبدو بسيطا وساذجا.. لكنه يدرك الخلل النفسى المسيطر على مَن تربَّى تحت سلطة «الابتزاز» العميق.
والمنافس على الابتزاز أتذكره، كلما مررت بسوق التوفيقية تخيلّتُه خارجا بثيابه الحربية. سأحكى حكايته مع السوق بعد قليل.. والسوق نفسه حكاية تشبه الانهيارات الكبرى، فمن متعة وجود الفاكهة خارج موسمها زحفت قطع الغيار الصينية مصاحبة لتزايد نفوذ تاجر المخدرات، الذى ابتلع المنطقة كلها. عندما يفشل المولَع بالسلطة فى إشباع الولع بالكلام السياسى فإنه يلهث إلى الدين/ لهاث المدمن العجول المنتظر للنشوة. الأزهر عاد تحت شعار «الإسلام المعتدل»، لتكون فى طليعة القرارات الرئاسية لجان إصلاح للتشريع والتعليم والإعلام تشارك فيه المؤسسة الأزهرية (التى حسب قانونها مؤسسة بحث علمى.. مهمتها مراجعة كتب الفكر الدينى).. لكنها الآن تلعب دورها كسند دينى للسلطة الجديدة.
وهنا يظهر صاحب البدلة الحربية مختفيا داخل قلعة «الاعتدال»، ومن خلال موقع متقدم يدبّج فيه خطابا كاملا فشل فى إكماله فى زمن الإخوان كعضو فى لجنة الدستور وغيرها من لجان إعادة بناء الدولة على «طبخة كراهية» باسم «الصحوة الإسلامية». وبالفعل الدكتور محمد عمارة، ما زال كما هو رئيس تحرير مجلة «الأزهر» -قلعة الوسطية والاعتدال- وهو المشهور بخطابه العنيف الذى إذا حذفت كلمة «الإسلام» من بين كلماته ستتصور على الفور أنه يقرأ بيانا للحزب النازى أو يلقى واحدة من فرمانات مدير إصلاحية الأحداث.