هل تسلل يوما فأر إلى منزلك وأحضرت له عشرات من أنواع السموم ووضعتها بعناية وذوق على طعامه المفضل جبنة بيضا وشيدر مع طماطم وخيار لفتح الشهية، ثم انتظرت أن تعثر على جثة الفأر ملقاة على أرض المطبخ فلم تجد شيئا، بل اكتشفت أنه بات يعلن عن حضوره بحركة أكثر صخبا ويخرج لك لسانه ويحرك ذيله وهو هانئ سعيد فى مقر إقامته الجديد؟!
تعود الفأر بحكم التجربة على أن لا تخدعه تلك المأكولات التى من الممكن أن تتصور أنك سوف تأسره بها، اكتشفوا مؤخرا أن الفئران من الممكن أيضا أن تعانى من مشاعر السأم والندم، أى أن تلك الأحاسيس ليست فقط كما كنا نظن حكرا على البشر، هناك خبرات مكتسبة للحيوانات والحشرات تجعلها تستشعر الخطر القادم وتستعد أيضا لمواجهته، وهكذا فإن المائدة الحافلة التى نضعها داخل المصيدة ونحن مطمئنون إلى أننا سوف نقنع الفأر بالدخول إليها نكتشف أنها قائمة على خبرة بشرية مباشرة، بينما عالم الحيوان قطع شوطا أبعد وتعلموا أن قليلا من الحذر مطلوب. خبرات الفأر السابقة قد أكدت له أنه من الممكن أن يلقى حتفه متأثرا بتغلغل السموم فى دورته الدموية، لقد نقل الآباء لأبنائهم هذه الحيلة التى ورثوها عن الأجداد وصارت فى الجينات من جيل إلى جيل، اكتشفوا فى عالم الفئران أنه من الممكن أن يجرب فأر طاعن فى السن الطعام لأول مرة بكمية ضئيلة جدا قد تصيبه بتلبك معوى خفيف ولكنها لن تقضى عليه، فهو ليس بحاجة إلى أن يُثبت لأبنائه وأحفاده من الفئران الصغار أنه قد ضحى بنفسه لإنقاذهم، والحقيقة أن الأمر لم يزد عن آلام فى معدته قد تصيبه ربما بإسهال وليس أكثر، ويصل الدرس إلى كل أفراد قبيلة الفئران، وهكذا لو تسلل أحدهم إلى مطبخ يستطيع إيقاف حالة النهم التى ربما تعتريه كلما وصلت إلى أنفه رائحة الطماطم أو الجبن ولكنها لن تُفقده صوابه، سوف يكتفى فقط بالقليل، فإذا وجد أن الطعام شهى ولم يحدث له مكروه يواصل الأكل ويدعو الجميع لتلك الوليمة.
بعد نحو أسبوع نحن معشر البشر سوف نستقبل مائدة تليفزيونية حافلة بعشرات من المسلسلات والبرامج، ولم أجد من وسيلة لمواجهة هذا الهجوم الكاسح سوى اللجوء إلى نظرية الفأر، فى الأسبوع الأول من رمضان يطبق المشاهد لا شعوريا نفس تلك النظرية بأخذ القليل من المسلسلات والبرامج، يتذوق قضمة هنا وقضمة هناك، يتحمل مشهدا هنا وآخر هناك، صحيح أنه يسعى وراء النجوم الذين صنعوا معه تاريخا عبر تراكم السنوات، إلا أنه بعد البدايات الأولى من الممكن أن يولى وجهه شطر أى عمل فنى آخر لفنان جديد لم يصنع تاريخا بعد ولكنه استطاع أن يستحوذ على مشاعره منذ الحلقات الأولى. لا أحد يعتقد أن المشاهد يستطيع أن يلتهم كل هذه الأطباق بحجة أنه فى حالة نهم، ولا تنسَ أن مباريات المونديال تستحوذ أيضا على الاهتمام. من الناحية الطبية ينصح المتخصصون بأن لا تزيد ساعات مشاهدة التليفزيون يوميا عن ساعتين فقط لا غير، وبالطبع لا أحد يلتزم بتلك النصيحة لا فى رمضان ولا شعبان ولا شوال، ولكن حتى لو زادت المساحة إلى 24 ساعة يوميا مشاهدة، لن تستطيع أن تتابع أكثر من 1% فقط مما تقدمه كل الفضائيات الناطقة بالعربية التى اقتربت وربما زادت عند كتابة هذه السطور عن رقم ألف. الاختيار ضرورة، ولا وسيلة للتغلب على طوفان المسلسلات والبرامج إلا بالرجوع إلى نظرية الفأر، قضمة هنا وأخرى هناك.. واسأل مجرّب!!