فى ليلة الثالث من يونيو عام 1982 تعرض السفير الاسرائيلى فى لندن "شلومو أرجوف" إلى محاولة اغتيال من قبل عناصر تبين فيما بعد أنها تنتمى " لأبو نضال " صبرى البنا رئيس جبهة النضال الشعبى آنذاك , فبعد مغادرته أحد المطاعم القريبة من السفارة الاسرائيلية وسط لندن الذى كان يقيم فيه حفل عشاء على شرف الدبلوماسيين غافله شخص كان فى انتظاره يحمل رشاش واطلق عليه وابل من النيران سقط على أثرها مصابا بالشلل فى جسده إلى أن توفى فى فبراير عام 2003.
حينها قال رئيس الاستخبارات العسكرية " يوشع ساجى " أن المنظمات الفلسطينية فى لبنان استثمرت التحصينات وسلحت نفسها , وأن لديهم الكثير من المدفعية بما فيها بعيدة المدى والدبابات وقاذفات الصورايخ ومضادات الطائرات , انعقدت الحكومة الاسرائيلية وقررت فى اجتماعها قصف بيروت وهو ماحصل فى السادس من يونيو أى بعد حادثة محاولة الاغتيال بأيام .
الهدف من استعادة الذكرى التاريخية لحرب لبنان عام 1982 , هو ما تعانيه الآن الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة من هجوم اسرائيلى مكثف , إذ تتعرض الضفة الغربية لعمليات عسكرية من الجيش الاسرائيلى , مداهمات واعتقالات واعتداءات يومية ويعانى قطاع غزة قصف للطيران والغارات الاسرائيلية المستمرة الأمر الذى عزز من حالة الاستفار بين مواطنيها وبالتالى الاستنفار على الحدود مع مصر أيضا , خوفا من تسلل عناصر غير مرغوب فيها فى لحظات الفوضى أو اقتحام السكان الفلسطينيين للحدود كما حدث فى الحرب الاسرائيلية الأخيرة على غزة فى نهاية عام 2008 .
اسرائيل تسوق الحجج والبراهين مبررة هذا العدوان وهو خطف ثلاثة من مستوطنيها الشبان فى الخليل منذ نحو أسبوع واختفاؤهم , فحتى اللحظة ورغم بحث الأجهزة الأمنية المكثف عنهم لم تصل إلى أى معلومة بشأنهم , لكن المحير فى الأمر أنه حتى الآن لم تعلن أى جهة فلسطينية عن اختطافهم كما كان يحدث فى السابق للمقايضة عليهم , بل هناك العديد من الخبراء والمراقبين يعتقدون أن عملية الخطف هى مجرد مسرحية هزلية من اسرائيل لتبرير عدوانها , والا ما دلالة تحذير بنيامين نتنياهو الرئيس الفلسطينى محمود عباس من عواقب المصالحة الاخيرة مع حماس , ثم يطالبه بإلغاء اتفاق المصالحة معها كرد على عملية خطف المستوطنين الثلاثة , ثم ما معنى تصريح المتحدث باسم الجيش الاسرائيلى الذى قال فيه ان لدى اسرائيل عمليتان متوازيتان , الأولى اعادة الفتية المختطفين والثانية توجيه ضربة قاضية للبنى التحتية والمؤسسات الخاصة بحماس مؤكدا ان الجيش يتحرك من منطلق أن الشبان الثلاثة ما زالوا أحياء وهو المبرر الذى يعطى اسرائيل كل الحق للضرب بيد من حديد وان تعيث فى الأرض فسادا متذرعة بتخليص مواطنيها من الخاطفين رغم أنها حتى اللحظة لاتعلم مكانهم كما أن لغة المسؤولين الرسميين فى اسرائيل مضطربة ومتناقضة , بل ربما تكون أجهزة الأمن نفسها قد غضت الطرف وسهلت عملية اختطافهم لتحقيق مآربها سالفة الذكر , وإلا لماذا يتهم معلقون عسكريون الحكومة بالتخاذل ؟ ومع مرور الوقت يتراجع تفاؤل الأجهزة الأمنية بالعثور على المفقودين أو معرفة مصيرهم وهذا يدلل على فشل الاستخبارات العسكرية فى توفير معلومات عن مكان أسرهم إن صح افتراض اختطافهم .
الكل الفلسطينى والداخل الاسرائيلى يعلم جيدا أن اسرائيل لا ترغب فى السلام مع الفلسطينيين أو حتى استئناف المفاوضات بعد فشل تسعة أشهر من تحقيق شئ على الأرض , وربما كان اتفاق المصالحة بين حركتى فتح وحماس الذى وقع أخيرا وتشكلت على أثره حكومة فلسطينية موحدة قد أزعج اسرائيل وغير مخططاتها تجاه نسف الوحدة الفلسطينية والعودة إلى المربع الأول , فاسرائيل لا يعنيها سلامة مختطفيها بالقدر الذى يعنيها اختلاق المبرر والحجة لمواجة الغرب كى تمارس عدوانها الممنهج ضد الفلسطينيين وتمزيق وحدتهم , وليس هناك أفضل من هذه الفرصة المواتية لضربهم فى الضفة الغربية حدود التماس معها ومصدر ازعاجها , بعد تواتر التقارير الأمنية لديها من أن مستوى العنف قى الضفة الغربية والقدس سيزداد خاصة فى ظل فشل المفاوضات وتوجه الفلسطينيين إلى أروقة المجتمع والقانون الدولى , وطرق مؤسسات الأمم المتحدة لانتزاع الحق الفلسطينى المغتصب وتعافى مصر وعودتها إلى وضعها الطبيعى فى مساندة القضية الفلسطينية , بالاضافة إلى تأكدهم من عبثية اللجوء للمفاوضات مع اسرائيل والتعويل على الموقف الأمريكى المتواطئ .