القراء الأعزاء، كثيرا مانخدعكم نحن الكتاب فتظنوننا أفضل منكم، لدينا الحل السحرى لمشاكل البلد وأيضا مشاكلكم الشخصية، نملك من الحكمة ما يجعلنا نصل لجذورالمشاكل والمصاعب والصراعات، فنعالج المرض وليس العرض، كلامنا المعسول وحديثنا الجذاب يشد انتباهكم ويجعلكم تتابعوننا ،فتتبعوننا أحيانا وأنتم مغمضى الأعين، ثقة بكاتبكم المفضل، الذي جمع بين إخلاص سقراط وتواضعه ومجد ارسطو.
ولكننا أيها السادة منكم وإليكم، مزايانا مزاياكم وعيوبنا عيوبكم، والكاتب هو أكثر الناس تأثرا بالسلوك العام وثقافة المجتمع ونظام الحكم ،الكاتب مرآة مجتمعه وضمير أمته، وفى ذات الوقت هو يجد صورته في عيون الناس والحكام. ستجدوا منا من يكتب بأسلوب السبكى «الجمهور عايز كده» يكتب مايريده الجمهور وليس ما يمليه عليه ضميره وفكره، مقتنعا أن الجمهور بلغ سن الرشد ويمكنه أن يفرز الغث من السمين ويتبع من القول أحسنه، وهؤلاء يبحثون دائما عن نقاط البيع الرائجة ليكتبون عنها. ثورة 25يناير كانت بمثابة الزلزال والصفعة القوية لعدد كبير من الكتاب والاعلاميين والشخصيات العامة وأساتذة جامعات وسياسيين، ا أدرك هؤلاء أن الشارع سبقهم بخطوات، وأن عليهم في المرحلة القادمة أن يستمعوا لنبض الشارع وليس العكس، وهنا أختلطت الأمور وأصبح الأستاذ تلميذ والتلميذ أستاذ، الجميع يريد رضى الطالب على حساب المنهج، فالمنهج الآن يحدده الطالب وليس أصحاب العلم والخبرة.
إنتكاسة حقيقية، بدت في الفوضى في الشارع والتى هي انعكاس لفوضى في الفكر وعدم وجود معايير واضحة في أذهان الجميع عن الحدود التي ترسم لك المسموح به، الحدود مفهوم عبقرى وليس مقيد كما يتصور البعض، تماما مثل اختراع الفرملة في السيارة فلولا وجوده لما أستطاع مطورى السيارات أن يخترعوا محركات قوية تزيد من سرعة السيارة، الفترة الماضية كنا نسير بدون فرامل، ولأننا بدون فرامل فالأمر مربك وبطىء في ذات الوقت.
أعتبروا أن الأسطر الست الماضية هي جملة اعتراضية مطولة، أعود بعدها للبداية أن الكاتب لايختلف كثيرا عن العامة في أسلوب تفكيره، ولكن يختلف في أنه أكثر تأثيرا على الناس، ماحدث مع مقال الدكتور نصار عبدالله يدل على أننا مازلنا مغرمين بالحكى أكثر من القراءة، وكثيرا ما نفعل ذلك مع فيلم سينما أو رواية ذاع صيتها، فيسألك واحد :شوفت الفيلم.. قريت الرواية؟ وعندما تجاوب بنعم يكون الرد السريع: قوللى الحكاية والنبى.
ولكن الحكى يكون ممزوج برؤيتك الشخصية وخبراتك السابقة وايضا ثقافتك، ولاينتبه السائل إلى ذلك ويمكن أن يردد ما قصصته أنت عليه على أنه الفيلم أو الرواية، وبتلك الطريقة تبدأ الشائعة التي تصبح أقوى أحيانا من الحقيقة ولكن الشائعة دائما لاتعمر طويلا، فهى مثل البالون الضخم الذي يلفت الانتباه في البداية ومع الوقت يبدأ الهواء يتسلل منه لينكمش وينزوى ولاينتبه إليه أحد.
الكاتب مثل كل الناس يتأثر بما يشاع، وحين يحاول أن يتحرى الدقة ويعرف أصل الاشاعة يذهب وعينه على الرأى العام، ويحدث ذلك عندما لايجد الكاتب ما يكتبه، فيكتب عن مايشغل الناس وليس ماينفعهم.
قرأت مقال د. نصار عبدالله الذي نشر في جريدة المصرى اليوم الجمعة الماضية تحت عنوان «أطفال الشوارع: الحل البرازيلى» ولم أجد فيه شىء يلفت النظر ولايلهم العقل، وتعجبت من ردود الأفعال حوله إلى حد أن تقوم إدارة موقع المصرى اليوم برفعه، وكان تصورى أن البعض قرأه بطريقة خاطئة وحكوا لآخرين عنه وأنتشر الأمر على مواقع التواصل الاجتماعى، وتحول الكاتب لسفاح يحث الحكومة على اعدام أطفال الشوارع كما حدث في البرازيل، ولا أعرف كيف يمكن أن يصل بنا الأمر أن نقرأ الكلمات كما نريد وليس كما يريد كاتبها، المقال يرد على دعوة منتشرة بيننا للأسف ،فالبعض يرى أننا لابد لكى نزيح شبح الإرهاب عن مصر أن نقضى على جميع أعضاء جماعة الأخوان وياريت نعدامهم دفعة واحدة ونخلص منهم ومن إرهابهم، الكاتب هنا يقرب لنا الأمر بتجربة من الواقع، ودائما مايحدث ذلك حين يكون الكاتب أستاذ جامعى، تعود على طريقة تلقين الطلبة المعلومة الجديدة، وهاهو يقدم للقراء مالايعرفونه عن تجربة البرازيل مع أطفال الشوارع، ولأنه استاذ جامعى مصرى فهو يعلم بطريقة «ودنك فين ياجحا»، فبدلا من أن يقول ما يحدث الآن من استهداف الأمن لأعضاء الأخوان سيفشل، وان مصر يمكن أن تنهض بطرق أخرى غير محاربة الجماعة (بديل أطفال الشوارع في البرازيل ) فالأفضل أن تحارب الدولة الفساد، وأنقل هنا الجزء الأخير من مقاله: «هذا النجاح لا يعزى إلى القسوة التي انطوى عليها الخيار البرازيلى، ولكنه يعزى أولا وقبل كل شىء إلى توافر إرادة الإصلاح لدى القيادة السياسية البرازيلية التي حاربت الفساد بكل قوة والتى وفرت الملايين من فرص العمل للبرازيليين، واستطاعت من ثم أن تتحول من اقتصاد موشك على الإفلاس إلى واحد من أهم قوى نظم الاقتصاد العالمى، وهذا هو الدرس الذي ينبغى أن يعيه كل من يحاول أن يتعلم شيئا ما من التجربة البرازيلية.» (النجاح هنا يقصد به نجاح البرازيل في الخروج من عثرتها الاقتصادية).
قرأت لكاتبان مقالين حول مقال الدكتور نصار، كل منهما قرأه قراءة مختلفة تماما، الأول «وائل عبدالفتاح» في جريدة التحرير وكتب مقال بعنوان «الرائحة التي لامزيل لها» وفيه غرس كل الخناجر في جسد الدكتور نصار عبدالله الذي أخطأ في كتابة أسمه، في حين كتب «حسام السكرى»فى المصرى اليوم يدافع عنه في مقال بعنوان:«هل ظلمنا صاحب مقال أطفال الشوارع-الحل البرازيلي؟ولماذا؟» يرد فيه الاعتبار للدكتور نصار عبدالله، ويعتذر فيه عن رأيه المتسرع في البداية. أهم مافى مقال د.نصار عبدالله، من وجهة نظرى المتواضعة ،أنه يضع أيدينا على عيب خطير في سلوكنا يتفاقم مع الوقت، وهو الجرأة على وصف أي شخص بأوصاف تمس شرفه وكرامته لو اختلفنا معه، هذا الأمر المؤسف لايتم على يد العامة فقط ولكن الخاصة من المثقفين وكتاب لهم تاريخ طويل مع الكتابة، كما حدث مع حمدين صباحى أثناء الانتخابات الرئاسية حين قرأ البعض تصريحات له بشكل خاطىء وهاجموه ببذاءة .... مايجب أن نكتب عنه وبقوة في الفترة القادمة ليس تجربة البرازيل مع أطفال الشوارع، ولكن التجربة المصرية التي لم تبدأ بعد في القضاء على أخلاق الشوارع، فهى لاتقل خطورة عن مشكلة أطفال الشوارع.
ektebly@hotmail.com