
إنهم مهاويس. لكنهم يرتدون بيجامات نظيفة قبل النوم أو ربما يضعون على وجوههم نظارة لقراءة كتاب أو يتكلمون بما يوحى أنه فلسفة.. أو تفكير.. هم يتصورون أنفسهم نبلاء وأخلاقيين.. يعيشون فى عالم افتراضى.. لا يريدون أن يسمعوا فيه شتيمة أو يرون فيه طفلًا بملابس ممزَّقة ولا متسولًا يبحث عن فرصة بين أكوام الفتات.. إنها «مناظر مؤذية» تعطل عن النهوض.. لا بد من قتلهم ليصبح المشهد رائقًا وجميلًا من وجهة نظر ترى الجمال منظرًا، مجرد منظر.. لا يهمهم العدل ولا الإنسانية ولا حق الفرد فى حياة كريمة.. ولا بد أن يقدّم القتل الجماعى لأطفال الشوارع وكما حدث مع كاتب اسمه عبد الله نصار يعمل مدرسًا للفلسفة وحصل على جائزة الدولة فى آخر سنوات انحطاط مبارك، فإن هذه الحلول القاتلة رغم تفاهتها وركاكاتها وفاشيتها.. تُقدَّم على أنها أفكار أو «حل برازيلى».. ونشرت الصحيفة المقال وكأنه ليس تحريضًا على القتل الجماعى.. إنها نفس عقلية تطهير الحياة ممن لا نعرف من أين أتوا.. قتل على الهوية الاجتماعية يشبه القتل على الهوية السياسية أو الدينية.. كلهم يريدون مجتمعًا نقيًّا لا يرون فيه إلا نتاج عقولهم البيضاء التى تتصوَّر الجمال منظرًا.. لا علاقة مع الكون والحياة.. تؤذيهم مناظر أطفال الشوارع أكثر من حقيقة ظلم المجتمع وفساده وقسوته.. يختصرون تجربة البرازيل فى مشهد إجرامى تقتل فيه الشرطة أطفال الشوارع لكى لا يفسدوا المنظر.
إنهم يريدون المنظر.
كما تريد «داعش» أحدث طبعات الهوس الإسلامى: الراية والسلطة.
وماذا سيحدث إن جاءت جماعة تزعجها رؤوس الرجال الصلعاء؟
هل يدعون إلى قتل كاتب المقال وكل مَن اختفى الشعر من رأسه؟
هل سيصبح منظر المدينة أجمل بقتل أصحاب الرؤوس الصلعاء؟
الدكتور كاتب المقال هو نتاج سنوات الانحطاط بكل جدارة حيث لا يترك للتعليم أثرًا على العقل، لا فى منهج التفكير ولا فى النظر إلى العالم.. ليصبح العلم مصدرًا للشهادة والترقى فى الجامعة، بينما العقل فى مكان آخر فى مستنقع الأفكار المحيطة وبرك تعشش فيها بكتيريا العنصرية والشعور بالتفوق أو الاحتقار على أساس المنظر أو المكانة.
لا فرق هنا بين مدرس فلسفة فى الجامعة والمنتفخين بوضعهم الاجتماعى أو بقدرتهم على ابتزاز الناس باسم الدين.. كلهم يحملون أسلحة يقيمون بها حفلات واستعراضات يعبدون فيها أنانيتهم وتفاهتهم.
تخيَّل كاتب المقال ذائبًا على نار هادئة عقابًا على عيب لم يكن مسؤولًا عنه؟
تخيّله وهو يستغيث بالإنسانية التى قتلها فى مقاله وداس عليها بكل طيبة وشهامة فارغة فراغ الخرابات.
إنهم سكان مستنقع تختلط فيه كل أنواع الخطايا والجرائم والأفكار المنحطة التى مرت بها البشرية ودفعت أثمانها.. يسكنون ويشعرون بالنعيم والسعادة كلما أوصلتهم سباحة إلى قاع المستنقع الذى لا نهاية له.
.. وماذا إذا امتلك أطفال الشوارع أسلحة وخرج منهم مثقف يدعوهم إلى قتل ساكنى القصور وركاب الفارهات من السيارات.. هل سيسعد الكاتب وكل من ضرب «لايك» على المقال أو أعجبه الكاتب لأنه قدَّم حلًا لوذعيًّا وجبارًا تنهض به مصر الثقيلة بكل هؤلاء السعداء بجهلهم؟
.. يا بؤس سكان المستنقع الذى كلما أغرقوه بمزيلات الروائح العفنة.. زادت الرائحة إلى حد الاختناق!