فى الحرب على الفراغ بدت الحكومة الجديدة كأنها عملية ترميم «مومياء»..
أو العودة إلى اختيارات الدولة فى مراحل سابقة من عمر مبارك..
اختيارات أثبتت فشلها.. «مثل حكومة رجال الأعمال.. أو كتائب المثقفين للتنوير وتلميع النظام وأشياء أخرى».
العودة إلى مربعات الفشل ليست بحثا عن خبرة أو حنكة المجربين، ولكن عدم وجود كوادر لدى الدولة التى تتصدر للفراغ وتريد ابتلاعه وحدها كما كان أيام مبارك..
أى أن الفتوة القادم لابتلاع الفراغ هو فارغ أساسا، ليست لديه تصورات ولا عقل ولا كوادر جديدة.. والأهم ليس لديه خطة عبور اللحظة الحالية..
ليس لدى هذا الفتوة «الدولة» إلا اعتزاز الجنرال «السيسى» بأفكاره الشخصية.. وهنا الخطر ذاته، لأنه سيحول عمل الحكومة أو النظام الذى تعمل لديه إلى مسرح استعراضى يقدم كل يوم فكرة جديدة.. اليوم نحارب الورقة الغامضة «هل صليت على النبى اليوم؟» وغدا تُشكَّل لجان أزهرية وفقهية لإصلاح التشريع والتعليم والإعلام، وبعدها تُسرَّب أخبار عن خطة مكافحة الإلحاد.. وفى استعراض يوجه الرئيس إلى الحكومة توجيها برصد انتهاكات حقوق الإنسان، وبعدها وقبلها تستمر الانتهاكات ويستمر التعالى عليها..
كل يوم استعراض، لأن المومياء تريد أن تقنع الناس كل يوم بأنها كائن حى ويلعب.
حرب الفراغ شهدت جولات عنيفة بعد «٢٥ يناير» سقط فيها أولا المجلس العسكرى (فرع العواجيز) ثم الإخوان (جماعة أمير الجهاد خيرت الشاطر)، حتى عاد الجناح الشاب للمجلس العسكرى بقيادة السيسى، ليدخل تلك الحرب على الفراغ بعد أن اقترب من شكل السيرك أو مستشفى مجانين.. بعد أن أصبح «المزاج» يقود بدلا من طبقة «خبراء» السلطة.. وذلك بعد أن أطل الشعب من نومه الطويل وخرج من الغرف إلى الشوارع بكامل الطبقات المتراكمة عبر سنوات الانتظار فى غرف النوم.
استبدال المزاج بـ«الخبرة» إحدى النتائج الأولية للخروج الكبير فى يناير، حيث لم يعد سر الفراغ يورَّث فى أحجيات وألغاز وخرائط.. ولكن فى القدرة على ترويض الخارجين من غرفهم إلى الشارع.
المزاج فى الجولة الثانية بعد يناير دفع بالإخوان أو «بتوع ربنا» أملا فى أن يكون «الحل عندهم..» فهم على الأقل «ليسوا فاسدين..» مثل طبقة مبارك التى تعفنت على سلالم فسادها.
«الدقون».. أثاروا الفزع بعد اكتشاف أنه ليس لديهم «شىء جديد»، وأنهم مجرد محتلين جدد لهيكل الدولة الذى لم يكن شاغرا.. والأهم أنهم ظهروا «غزاة» لا «آباء» جددا.. الفزع أعاد البحث عن «القوى» و«الدكر» الذى يوقِف الغزاة.. ويعيد «الدولة» التى كانت.
هذا «المزاج» أتى بالسيسى بطلا لجولة جديدة/ وربما ضحيتها بعد قليل.
وهذا ما سيجعل الهدف الأساسى للسيسى ولفترة طويلة هو منع تغيير المزاج، «أى محاولة» إرضاء «جماهيره» أو الحفاظ على «شعبيته» من خلال ترسانة بروباجندا يقودها رجاله المخلصون مباشرة.. وغالبا سيتعامل مع الإعلام بمنطق «كتيبة مقاتلة».
والمشكلة ليست هنا فقط.. ولكنها فى أن هذه الكتيبة أنواع من بينها المتحمس والمخلص والمؤمن، لكن أغلبها واجهة لحزم مصالح فى الخلف.. فتختلط حرب الحفاظ على المزاج الشعبى الذى أتى بالسيسى بتحقيق مصالح شرائح وطبقات وثروات تريد التوسيع لنفسها من أجل العودة.. وسنرى مثلا قنوات ومذيعين وهم يعزفون ألحان التأييد للسيسى، يمررون خطابا دفاعيا جبارا عن حبيب العادلى وعصابته، التى حولت الشرطة إلى «عدوة الشعب».. كما أن ظهور وزير البيئة الجديد/ القديم مدافعا من أول كلمة عن استخدام الفحم الذى رفضته الوزيرة السابقة عليه/ إشارة لا تحتاج إلى تفسير إلى أنه يسدد فاتورة عودته إلى الحكومة بعد استبعاده.. وأنه فى مهمة الدفاع عن كارثة قادمة..
كيف يمكن للمومياء الحكومية الحفاظ على «المزاج» الذى يتغير بأسرع مما يتصورون؟