حدثان بينهما أيام قلائل، غضب هانى شاكر الذى يحتل دون منافسة لقب شيخ المطربين المصريين -لو كان للمطربين مشيخة- من رواج أغنية «بُشرة خير» التى غنّاها حسين الجسمى، ولم يقل هانى مباشرة إنه الأَوْلَى بـ«بشرة خير» فقط تحدث عن الإيقاع الراقص الذى لا يليق بمصر بعد ثورتى 25 و30. هل كانت بالضبط هذه هى الأسباب أم أن هناك إحساسا لدى هانى بأن مكانته الأدبية الآن باعتباره شيخ عموم المطربين كانت تستلزم أن تُعرض عليه أولا الأغنية.
شىء شبيه من هذا حدث فى دائرة قراء القرآن، بعد أن قرأ الشيخ نعينع فى حفل تنصيب السيسى، غضب فى رابطة قارئى القرآن، تلك الرابطة التى تتابع على رئاستها كبار شيوخنا الأجلاء، حَفَظَة كتاب الله، مثل محمود خليل الحصرى وعبد الباسط عبد الصمد ثم أبو العينين شعيشع وأخيرًا محمود الطبلاوى.
لا أتصور أنه فى تاريخ الرابطة قد حدثت قضايا شبيهة تأخذ من هيبة وجلال شيوخنا الكبار.. الأقدمية معروفة والقيمة والقامة محفوظة للجميع، مثلا الشيخ محمود خليل الحصرى أكبر فى العمر من الشيخ عبد الباسط عبد الصمد حتى ولو كان عبد الباسط قد حقق نجاحًا غير مسبوق على المستوى الجماهيرى -ملحوظة كان رؤساء الجمهورية فى الدول الإسلامية يستقبلون الشيخ عبد الباسط فى المطار- ورغم ذلك فإن الحصرى ظل حتى رحيله هو شيخ الشيوخ. قبل بضع سنوات بدأنا نقرأ عن صراع بين أبو العينين شعيشع ومحمود الطبلاوى حول من يرأس الرابطة، والتى آلت إلى شعيشع، ثم بعد رحيل شعيشع يتجدد الصراع على الكرسى بين الطبلاوى ونعينع، فالطبلاوى أعلن من نفسه نقيبًا بحكم أنه كان يشغل موقع نائب رئيس الرابطة، بينما الشيخ الطبيب أحمد نعينع الذى كان يشغل موقع الأمين العام وجد فى ذلك استباقا لقرار لم يتم اتخاذه بعد، والمعروف أن نعينع بدأ القراءة فى حضرة الرؤساء منذ أنور السادات، حيث إنه ارتدى لأول مرة بدلة، بينما كل الشيوخ يتمسكون بالزى التقليدى، ولهذا كان من البدهى أن تستعين به أيضًا رئاسة الجمهورية فى حفل تنصيب السيسى.
بعدها مباشرة وجدنا قرارًا من الرابطة بطرده منها، أى أنه لا يجوز له ممارسة قراءة القرآن ومنعه من السفر وخاطبوا مشيخة الأزهر ووزارة الداخلية لاتخاذ اللازم، لو قرأت تفاصيل القرار ستجد أيضا أن هناك بندًا صريحًا بمنعه من المشاركة فى الحفلات الرسمية للدولة، فقط كان ينقصها أن يقولوا: وتحديدًا أى حفل قادم يدعو إليه السيسى.
هل شعر الشيخ الطبلاوى أنه الأحق؟ هل الغيرة من الممكن أن تنتقل أيضا إلى قلوب حفظة وقارئى القرآن؟
القرار يستند إلى أن الشيخ نعينع أدى قبل سنوات الأذان الشيعى فى إيران والعراق، وأضاف إليه مثلما يؤديه الشيعة «وأشهد أن عليا ولى الله» وذلك بعد «وأشهد أن محمدًا رسول الله». لماذا فقط اكتشفت الرابطة تلك المخالفة الآن، وإذا كانت جريمة لا تغتفر فكيف لنا أن نفسر قرار الأزهر الصريح بالاعتراف بالمذهب الشيعى؟
بالتأكيد هناك متطرفون فى الأديان والطوائف، وهؤلاء لا يمكن القياس عليهم ولا يعبرون عن حقيقة المذهب، أى مذهب، لو تتبعت مواقف الأزهر الشريف فى السنوات الأخيرة سوف تلمح دائما تخوفًا ما من انتشار المذهب الشيعى فى مصر، رغم أن المصرى بطبعه «سنى الهوية شيعى الهوى» وهو أمر يحتاج بالطبع إلى تدقيق وتمحيص، ولكن يبقى أن رمى أى إنسان مصرى بالتشيع صار تهمة تتوازى مع الاتهام بالكفر، وهو ما دفع نعينع بالتأكيد للتصريح بأن لديه «سى دى» للطبلاوى سجل عليه الأذان الشيعى، والمعروف أن عددًا كبيرًا من مشاهير قراء القرآن سجلوا بالفعل للإذاعة الإيرانية الأذان الشيعى وليس فقط نعينع والطبلاوى!!
لماذا تُثار الآن هذه القضية؟ وهل وراءها غَيْرَةٌ بين المقرئين؟ إذا كنا من الممكن أن نتفهم، ولو على مضض، غيرة بين هانى شاكر وحسين الجسمى فليس من الممكن أن أتفهم، مهما زادت مساحات المضض، غيرة مماثلة بين الطبلاوى ونعينع!!