ايجى ميديا

الثلاثاء , 7 يناير 2025
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

جمال فهمي يكتب: بين الغضب والتوحش

-  
جمال فهمي

قبل أيام كنت أستمتع بصحبة أديبنا العظيم بهاء طاهر فى المقهى البسيط الذى يجمعنا به، وعندما تدحرج الكلام إلى ظاهرة ما يسمى بالخطأ «تحرش» بينما هو فى الواقع عنف «جنسى» رهيب ووحشى، قال عمنا بهاء إنه لم يلحظ فى الضجيج الهائل الذى تفجر فى الإعلام بعد جرائم الاعتداءات الهمجية السافلة على سيدات وبنات فى ميدان التحرير أى إشارة إلى الأسباب التى استولدت هذه الظاهرة المشينة وجعلتها تتفشى فى مجتمعنا على نحو يندر أن تجد له شبهًا أو مثيلاً فى أغلب بلدان الكوكب. وأضاف: «رغم فيض التعليقات على هذه الجرائم لم أسمع مثلاً أى حديث عن (الحرمان الجنسى) القابع متفردًا ضمن منظومة رهيبة من شتى صنوف الحرمان والعدم المادى والعقلى والروحى الذى يأكل فى جسد مجتمعنا».

كلمات أديبنا الكبير فجرت بين الجالسين على المقهى، نقاشًا عميقًا، إذ تبارينا جميعًا فى رص الأسباب التى هى نفسها منتج كل أعراض انحطاطنا وتأخرنا، غير أن بعض الأصدقاء استوقفه أن مرتكبى جرائم ميدان التحرير استعملوا مع الضحايا وسائل بالغة العنف والقسوة لدرجة ربما تدعو إلى الشك فى أن هؤلاء المجرمين كانوا يسعون للفوز بلذة جنسية شاذة ومنحرفة فحسب، وهو أمر يحتاج إلى أن نسمع بشأنه تحليلاً من علماء النفس.

عند هذا الموضع من النقاش تذكرت شيئًا كانت قد قالته لى من سنوات قليلة الصديقة الكاتبة البارزة نجلاء بدير نقلاً عن الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى المرموق، بمناسبة حادثة غريبة وقعت أيامها عندما قام سائق حافلة يعمل فى إحدى الشركات الكبرى فجأة، ومن دون سبب واضح، بقتل نصف دستة من زملائه وجرح وإصابة نصف دستة آخرين بجروح وإصابات بالغة.

وحسب نجلاء فالدكتور عكاشة، قال فى برنامج تليفزيونى تعليقًا على هذه المجزرة ما معناه: إن المعلومات المتاحة عن الحادثة وحجمها تشير إلى احتمال أن يكون القاتل قد ارتكب فعلته تحت تأثير حالة يأس وغضب اكتئابى عارم دفعته إلى اتخاذ قرار مسبق (بغض النظر عن الذريعة الوقتية المباشرة) بالتخلص من الحياة وممارسة نوع من أنواع الانتحار الذاتى عن طريق نحر وقتل الآخرين.

طبعًا أسباب الغضب والاكتئاب والتحريض على الانتحار فى واقعنا الراهن لا تكاد تعد أو تحصى، والحال أن العبد لله كتب ذات يوم من أيام الأستاذ حسنى مبارك وولده سطورًا عن الغضب تحت عنوان «انظر حولك بغضب» وبدأتها بإشارة مسهبة لمسرحية «انظر إلى الوراء بغضب» التى كتبها المسرحى البريطانى جون أوزبورن (1929- 1994) وصارت بعد عرضها فى العام 1956 على خشبة «رويال كورت ثياتر» اللندنى واحدة من أشهر مسرحيات القرن العشرين، إذ أطلقت ما يسمى تيار «مسرح الغضب» الذى نافس بقوة تيارى «مسرح العبث» ومسرح الالتزام بـ«الواقعية الاشتراكية»، وإن اشترك معهما فى الموقف النقدى من الواقع الاجتماعى والإنسانى المشوه الذى خلفه جشع النظام الرأسمالى الغربى المنشأ وبلغ ذروته المأساوية فى الحربين العظميين الأولى والثانية، واللتين شهدهما نصف القرن الماضى وأزهقتا أرواح عشرات ملايين البشر فى محدلة هائلة (على قسطين) لم يعرف التاريخ الإنسانى مثيلا لها فى الدموية والتوحش والخراب.

لقد قلت فى هذه السطور القديمة ما خلاصته أن دعوة «أوزبورن» الغاضبة التى لباها مسرحيون وكتاب بارزون من مواطنيه (أمثال هارولد بنتر وجون آردن وسواهما) تصلح لنا، لكنها تحتاج إلى تعديل طفيف يناسب حالتنا، فمشكلتنا ليست تمامًا مع الماضى الذى لا أجادل أن فيه ما يستحق الغضب فعلا، غير أن محنتنا الحقيقية أننا تخلفنا وتأخرنا عن هذا الماضى (القريب بالذات) وأضحى حاضرنا المعيش أسوأ وأشنع وأكثر بؤسًا ومدعاة للغضب والاشمئزاز على كل صعيد، من السياسة والاقتصاد إلى الثقافة ومنظومة الأخلاق السائدتين اللتين نُحرتا بقسوة فى عقل وروح مجتمعنا.. وقد اعتبرت هذا كله مبررًا للتحريض على غضب نصوِّبه نحو ما هو قائم بالفعل «حولنا» وليس الذى تركناه «خلفنا».

لكن تحريضى آنذاك على الغضب كانت غايته شحذ الهمة ونفض غبار القعود والاستكانة لواقع مهين يزداد عفنًا كل يوم، كنت أقصد الغضب الساطع النبيل الذى يضىء العقل ويدفع لإصلاح الحياة وإزالة أسباب بؤسها ومرارتها لا كراهيتها ومقتها لدرجة الانتحار وتشويه الفطرة الإنسانية وإطلاق العنان للوحشية وطلب الموت للنفس وللآخرين.. ومع ذلك أعتذر بشدة لأنى نسيت وأنا أستعين من سنوات بمسرحية جون أوزبورن آنفة الذكر أن هذا الأخير نفسه خلط بين «الغضب» المشروع و«الكراهية» المقيتة، فهو أمعن (بعدما أبدع هذه المسرحية التى حلّقت به فى سماوات الشهرة والمجد) فى حياة العدم والعربدة حتى اضمحلت موهبته وهبطت باطراد قيمة إنتاجه الإبداعى، وتحول إلى مجرد رجل سكِّير عدوانى يكره نفسه ومَن حوله، وظل يتردّى ويعبط ويتنقل من فشل إلى فشل حتى مات رسميًّا بعد سنين طويلة من الموت والانتحار البطىء.

التعليقات