هل هناك علاقة بين «داعش» وسيد قطب؟
سيد قطب لم يكن من الممكن أن يلعب مع ضباط يوليو دور الكونت «ميرابو» فى الثورة الفرنسية.. لأن حسية الكونت الفرنسى/ ولنقل نزقه/ لم توقعه فى فخ الرسولية الذى ملأ عقل سيد قطب وسيطر عليه.
سيطر على سيد قطب السير إلى نهاية الفكرة التى بدت زاهية رغم تفاهتها/ أو خلوها من كل مشاعر الرغبة فى عبور المرحلة المريضة للخليفة العثمانللى.
سيد قطب استثمر النرجسية الجريحة من هزيمة الخلافة العثمانية، ليحقن بها نرجسيته المهزومة فى مجالات الأدب والحياة.. وصنع منها مشاعر رأى فيها نفسه فى مهمة تخليص البشرية من شرورها/ بدلا من فهمها/ والتمعن أكثر فى رحلتها.
رحلة سيد قطب قصيرة جدا.. وخروجه من مصر كان أول مرارته من نقصان معرفته ومحدوديته.. الرحلة أفقدته مشاعر التعالى أو نفخة العارف.. هذه الصدمة حولته غالبا إلى مقاتل ضد الحضارة تبدأ فى أمريكا/ حيث عاد من هناك نكوصيا/ يبحث داخله عن الكنز/ محطما الجسور إلى المعرفة الإنسانية بنظرية تقول: «نأخذ من الأمريكان خبرات الميكانيكا والفيزياء والزراعة والعلوم البحتة، ونفارقها فى النظريات والقيم والأفكار».
هذه النظرية النفعية قادته إلى فكرة «أن الله سخر لنا الغرب لينتجوا حضارة نستهلكها نحن» على تعدد استخدامات هذه النظرية/ من تبرير الاستهلاك إلى معاداة الغرب بأسلحته، وحتى اكتفاء مفاهيم مثل الديمقراطية دون سياقها/ رحلتها الفكرية.
سيد قطب هو التعبير المثالى عن التواصل مع «الحضارة الغالبة» وفى التواصل إمكانية نقدها.. أو رفضها وليس تأسيس نبوة على فكرة وهمية تافهة.. اسمها عودة الخلافة باعتبارها الشكل الوحيد والأوحد والمقدس لاستعادة المجد القديم.
سيد قطب حول العجز إلى أساس نبوة، وهو لم يكن أقل من نبى جديد/بدعوته إلى مملكة الله/ وصحابة/ النخبة المؤمنة/ الجماعة/ وخطة نشر للدعوة بالقوة/ اسمها الكودى: عودة الإسلام من غيبته.
وهو هنا وحد الدين مع شكل من أشكال السلطة يرتبط بالزمن.. وألصق الإسلام بالماضى الذى يحلم بالعودة. بدت ملامحه غير مريحة، نظرته فيها شر يناقض هيئته الهادئة/ هكذا رأى نجيب محفوظ سيد قطب فى زيارة له بعد التحولات/ وكالعادة لم يكتب هذه الأوصاف علنا/ أو صريحة/ لكنه وضعها فى بورتريه «عبد الوهاب إسماعيل» ضمن روايته «المرايا».
هذا الشر المقيم المحفور فى ملامح طيبة/ مشروع جد طيب/ أو موظف يحكى خبراته لصغار الموظفين/ باقية فى صور سيد قطب التى نراها مظللة بالشجن/ ونبرات الألم المكتوم/ كما يليق بالموت أن يفعل فى نفسية المصريين.
تظل هنا صورة فريد عبد الخالق وهو أحد الجيل المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، الذى انحاز إلى جناح حسن الهضيبى «دعاة لا قضاة»، ردا على انفجارات الرومانتيكى سيد قطب على الورق.. فريد حكى وهو فى سنته الثمانين ربما عن آخر نظرة تبادلها مع سيد قطب.. كان ملقى بجوار الحائط يئن من التعذيب، منهك الروح والبدن، بينما مر قطب وتبادلا نظرة لا تنسى.. نظرة لوم: «.. لماذا فعلت بنا ذلك.. ألم نقل لك؟». كم فريد عبد الخالق سينظر نفس النظرة إلى سيد قطب؟
الفكرة أصبحت بغياب سيد قطب.. لها حضور أقوى/ اسمها الجهاد/ الذى تضعف علاقته بسيد قطب.. وتتحول مع الأيام إلى «ماركة» تجذب الزبائن من المثاليين والغاضبين على المجتمع.. هل هناك أحلى من تصور نفسك جنديا فى ميليشيات تبنى «مملكة الله»؟
والأمر لا يحتاج سوى خيال فقير يجعل هؤلاء هم «مجاهدين»، لأنهم يرتدون هذه الملابس ويطلقون لحاهم ويرفعون رايتهم.. ولو على الخراب..
إنهم يرتبطون بالخراب.. وهذا لا يهم الضائعين الواهمين الذين يستمتعون بالانتحار فى مواجهة الاستبداد.