
عندما يصبح الاختيار بين صابر عرب وأحمد المسلمانى لا شك أننا فى هذه الحالة نبوس أيدينا «وش وضهر» عندما نجد اسم د.جابر عصفور وقد صعد إلى الكرسى وزيرًا للثقافة، ولكن هل صغرت الحياة وعزت البدائل لنصبح فقط بين مطرقة صابر وسندان المسلمانى، أم أن هذا الاختيار لا يراعى فروق التوقيت؟
لا أنسى قبل ثلاث سنوات ونصف كيف تناقلت قنوات التواصل الاجتماعى صورة عصفور وهو يهرول ويكاد يرقص فرحًا عندما كان فى طريقه ليحلف اليمين أمام حسنى مبارك فى آخر وزارة شكّلها برئاسة شفيق. هل يعتقد أحد أن هذه الوزارة كان لها دور آخر سوى إنقاذ مبارك وعائلته ونظامه من السقوط؟
كل من شارك فيها كان يقف مباشرة ضد ثورة يناير.. للتذكرة فقط كان أول قرار اتخذه عصفور بمجرد تعيينه هو تكريم فاروق حسنى على دوره، كأنه يوجه رسالة تقول: نحن نواصل الطريق.
يوم 9 فبراير 2011 قبل إجبار مبارك على التنحى بـ48 ساعة فقط بعد أن وثق الجميع أن دولة مبارك إلى زوال قفز عصفور من السفينة الغارقة وأرسل اعتذارًا مهذبًا إلى مبارك وشفيق، يؤكد فيه أن ظروفه الصحية تمنعه من الاستمرار متمنيًا لهما التوفيق.
عصفور هو نموذج للمثقف الكبير الذى تبحث عنه الدولة فى كل العهود، وهو يستطيع تلبية احتياجاتها فى كل الظروف، ويملك قنوات تواصل مع قبيلة المثقفين باعتباره واحدًا منهم، ويعلم بالضبط كيف يفك الشفرة الخاصة بكل منهم.
أتذكر قبل 11 عامًا عندما أرادت الدولة أن تضم إلى الحظيرة الروائى الكبير صنع الله إبراهيم، والذى كان يقف خارج سرب تأييد النظام ومباركة التوريث، تولى عصفور هذا الملف الشائك، كان صُنع الله أشد دهاءً، رشحه عصفور لجائزة الرواية وقيمتها 200 ألف جنيه، وربما للحظة فكر صُنع الله أن يعتذر ويعلن أنه رفض الحصول على الجائزة، إلا أنه أيقن أن الدولة لن تذكر ذلك، فقرر أن يعلن الموافقة المبدئية، ومن المؤكد أن جابر شعر بالارتياح وبنجاح الخطة، وأبلغ فاروق أن الرجل فى طريقه إلى الحظيرة، وإليكم الفصل الثانى عندما وقف صُنع الله على خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا، بينما حسنى على الميمنة وعصفور على الميسرة معلنا أنه يرفض الحصول على جائزة من دولة فاسدة، موقف لا ينسى من مثقف كبير، والحقيقة أنه أثبت أيضا أنه ثعلب كبير، لو عدت إلى الأرشيف ستكتشف انتهازية المثقفين -وعدد منهم من الموهوبين- حيث قالوا لو عرضت علينا جائزة الرواية لقبلناها شاكرين، ووجهوا اتهامات قاسية لصنع الله، وضيقت الدولة كالعادة الخناق عليه، ودفع الرجل ثمن موقفه، بينما جابر عصفور فى ذلك الوقت كان يدشن مع فاروق حسنى جائزة تحمل اسم مبارك، ويحصل بعدها عصفور فى أبريل 2010 على جائزة تحمل اسم القذافى، الجائزة قدرها 150 ألف يورو، أى نحو المليون ونصف المليون جنيه مصرى، كان قد رفضها عديد من القامات الأدبية فى العالم حتى لا ترتبط أسماؤهم باسم الطاغية والسفاح.. سافر عصفور مع وفد من الأدباء الكبار فى مصر كنوع من التعضيد له والموافقة الضمنية على أن من حقه الحصول على جائزة باسم طاغية، أتصور أن هؤلاء المثقفين تحديدًا هم الذين طرحوا اسم عصفور فى اللحظات الأخيرة مجددًا ليعتلى الكرسى فى وزارة الثقافة.
نسيت أن أذكر لكم باقى حكايته مع جائزة القذافى، فعندما انطلقت الثورة الليبية أعلن أنه يتنازل عن مسمى الجائزة وليس قيمتها المادية، بعد أن اكتشف فى تلك اللحظة فقط أنه سفاح وطاغية!!
له فى كل عُرس قُرص «مثل لبنانى شهير» وهكذا عصفور فى كل العهود والأزمنة له قُرص وكُرسى!!