تخيل أن الوجه الجديد الوحيد الذى أضيف إلى اجتماعات قيادات الحركات والأحزاب السياسية فى مصر هذه الأيام هو مدير المخابرات الأسبق.
آه، آسف، نسيت وجهًا جديدًا آخر أضيف إلى ذات الاجتماعات، إنه وزير الداخلية الأسبق.
طبعًا هما شخصيتان وطنيتان محترمتان، واستعدادهما لدخول معترك السياسة شىء ممتاز، لا بد أن نرحب به، فهكذا الدول الديمقراطية. لكن الملاحظة تبقى هامة وغريبة، فهى تكشف غياب السياسيين فى مصر، فضلاً عن جمود الوجوه الحزبية وتكرارها حتى السأم، ومنذ خمسة وعشرين يناير تحتكر الساحةَ الحزبيةَ فى مصر أسماءٌ كلها محترمة وفاضلة فعلاً، لكنها كلها فاشلة وعاجزة حتى الملل.
المجموعة التى تمثل أحزابًا وهمية، وتدَّعى أنها قوى معارضة أو مدنية واستعرضوا على الناس عضلات منفوخة هواءً تافهًا، وقد حشوا أحزابهم الوليدة بما اعتادوا أن يحشوا أحزابهم به دائما، بالمخبرين والمدلسين وبالوجوه المنافقة اللى مع الرايجة والأخرى الفوضوية المخربة، بل هناك أعضاء فى حزب يخوتنا بأنه حزب ليبرالى مدنى تملأ صفحات بعض أعضائه على «فيسبوك» شعارات «رابعة»، الهزال والتفتت كأنه داء مولود معهم بولادة أحزابهم.
كتب الله على مجموعة من السياسيين المصريين أن يكونوا طول عمرهم مُنبتِّين، لا ظهرًا أبقَوْا ولا أرضًا قطعُوا، يعنى لا هم زعماء أو مناضلون، ولا هم فى السلطة ومدلدلين رجليهم.
حكام يتعاملون معهم كما يتعامل الباشا مع خولى الأنفار، وحكام يتعاملون معهم باعتبارهم هاموشًا هامشيًّا وشخصيات ماتعرفش حتى تفيِّش الهوايش.
مع الاجتماعات الحالية لذات الوجوه (مضافًا إليها الوجهان الجديدان فقط) للإعداد للانتخابات البرلمانية، تذكرت الرسالة التى بعث إلىَّ بها أحد أنبل الحزبيين فى مصر (لعله ينوى التفرغ للرياضة الآن) حين بثَّنى همه:
«عزيزى.. ما زالت المشكلة مَن الداعى؟ وتحت أى راية نجتمع؟ واسم التجمع، وتيار ثالث ولّا تيار شعبى؟ ومن يقود...؟ أنا زهقت وقرفت».
هذه رسالة جاءتنى من شخص مرموق صديق صادق وموجوع بمصر، يشارك فى إدارة أحد الأحزاب المدنية التى نشأت بعد الثورة، وهى مشحونة بالأسى والغضب، وبالمرّة الزهق والقرف من حيرة الليبراليين وأنصار الدولة المدنية فى مصر حول إدارة طريقة توحدهم استعدادًا للانتخابات البرلمانية. هى رسالة قديمة من أيام الإخوان، فهل تتخيل أنها هى نفسها تتكرر بطرق أخرى وبذات المعنى مع الانتخابات القادمة!
للأسف هذا هو حال الاجتماعات المشتتة الثرثارة التى تنتهى دائما بانشقاقات وتفككات واتهامات وفشل كالقدر.
أما اليسار فلن يفاجئ أحدًا بأى جديد، وهو نفسه دائمًا متحمس ومخلص ومنقسم ومشتت، وهو أكثر من يتحدث عن الجماهير، لكن الجماهير لا تتحدث عنه ولا ترميه بنظرة أو ابتسامة، فهو حب من طرف واحد، وسنرى فى النهاية عدة تحالفات يسارية يتنافسون فى استخدام كلمة الثورة، ويشتكون كلهم من فقر الإمكانيات وضعف التمويل. لله فى خلقه شؤون!