شكلها كده ح ترسى على أحمد المسلمانى وزيرا للثقافة. وأتصور أن نفس ما حدث عند استدعاء صابر عرب لوزارة محلب قبل نحو عام، بعد حالة الرفض المعلنة، والغضب العارم الذى اجتاح مكتب الوزير فى «شجرة الدُر»، سيتكرر مع المسلمانى. كان من يطلقون على أنفسهم ثوارا قد أصدروا وقتها بيانا ناريا ضد صابر، وقالوا إنهم مستمرون فى الاعتصام حتى تتم إقالته، ثم اجتمع بهم صابر، وقال لهم إنه مثل خاتم سليمان من صباعك ده لصباعك ده، وشبيك لبيك أنا ملك إيديك، مؤكدا أنا جئت للدنيا من أجل شىء واحد، هو تنفيذ مطالبكم، هل تريدون عجين الفلاحة.. إليكم فاصلا لعجين الفلاحة.
الثوار، أقصد أصحاب الحناجر الصاخبة، استشعروا مدى قوتهم، فوافقوا على استمراره، وحددوا مطالبهم، وكان أولها مهرجان القاهرة، فمنحهم المهرجان. إنها صفقات وليست سياسات. كانوا يلعبون معه ع المكشوف، أنت تريد الاحتفاظ بالكرسى ونحن نريد كذا وكذا، وتمت المقايضة، ولم يرَ البيان الذى وقعوه طريقه إلى النشر حتى الآن، ولن ينشر، لأنه فى الحقيقة يفضح انتهازيتهم.
أتصور أن هذا السيناريو قابل للتكرار مع اختلاف فى شروط المعادلة، المسلمانى أقوى من صابر، والدولة الآن قبضتها أقوى من زمن صابر، ومن يطلقون على أنفسهم ثوارا أضعف أيضا من زمن صابر، ولهذا سوف تنتقل سريعا علاقتهم بالدولة من مربع «عجين الفلاحة» إلى مربع «الحظيرة»، وهو التعبير الذى ظل فاروق حسنى يردده على مدى ربع قرن فى علاقة الدولة بالمثقفين، عندما تدخلهم فى دائرة المصلحة فيتوجهون مباشرة للحظيرة.
من الواضح أن النظام الحالى يريد المسلمانى، وهو أيضا حريص على أن يظل داخل الكادر، كرسى السلطة لا يمكن التنازل عنه بسهولة، خصوصا أنه ذاق طعم دائرة الرئاسة، مستشارا إعلاميا، وخلفيته الصحفية منحته فرصة، لكى يعرف الكواليس والدهاليز، وأول ما سيفعله هؤلاء هو أنهم يدعون إلى اجتماع سيترك لهم تحديد الأسماء، وهم فى المقابل سيحرصون على استدعاء الدائرة التى تترابط مصالحها، وكل منهم لديه صفقة مع الآخر، حتى ولو كانت ظاهريا، هناك عداوات صغيرة، وكما تعودنا فإن المصالح تتصالح، ولو تأملت ستكتشف أن أصحاب الصوت العالى حققوا كثيرا فى عهد صابر، التى بدأها ضعيفا لا حول له ولا قوة، مهيض الجناح، يعلم أن بقاءه مرهون برضائهم عنه، فكان ينفذ ما يطلبونه، وفى نفس الوقت يحاول أن يستند إلى الدولة لحمايته منهم. راجع مثلا موقفه من عرض فيلم «نوح»، فى البداية قال إنه لن يلتزم بقرار الأزهر وسيعرض الفيلم ما دام وافقت عليه الرقابة، وذلك بناء على قرار لجنتى السينما والمسرح، الذى طالب بالعرض وإبعاد المؤسسة الدينية عن أداء دور الرقيب، ولكنه عندما استشعر أن الدولة مصرة على الامتثال لرأى الأزهر غيَّر الموجة فى لحظة، مؤكدا أنه سيلتزم بما تريده المؤسسة الدينية، وهو نفس ما تكرر فى «حلاوة روح»، شىء من توازنات القوى قد تغير لصالح النظام، الذى وجد أنه يسانده، فضحى فى لحظة بما يريده المثقفون. الدولة الآن تعاود امتلاك قبضتها الحديدية على كل شؤون الحياة، ولم تعد تسمح بغضب أو رفض أو احتجاج، ومن يطلقون على أنفسهم ثوارا أضعف أيضا مما مضى، وسوف يرضون هذه المرة بالقليل، وأتصور أن المسلمانى سيمنحهم بعض ما ينتظرونه، وبعدها ستهدأ النفوس، وسيعلنون رضاءهم عنه.
«إن جاء زيد أو حضر عمرو/ طب وإحنا مالنا إنشالله ما حضروا»، صدقت ليلى مراد، لن ينصلح أو يتدهور حال الثقافة فى بلادنا بأكثر مما هو عليه لو جاء المسلمانى أو جاء غيره، ما دام أصحاب الصوت العالى لا يزالون يشغلون الحيز الأكبر من الصورة.