فى سبعينيات القرن الماضى اجتهد حزب يسارى معين (لا داعى لذكر اسمه عملاً بمبدأ الستر على المناضلين) للتخلص أو التخفيف من مشكلة وثغرة خطيرة كانت (وما زالت للأسف) تعانى منها الجماعات والأحزاب اليسارية عمومًا والشيوعية خصوصًا، ألا وهى الإصابة المزمنة بنوع من «الأنيميا الجماهيرية» الحادة بما يجعل فاعليتها وتأثيرها فى أوساط الطبقات الشعبية، التى يفترض أن هذه التنظيمات والأحزاب هى التعبير السياسى النقى عن قضاياها وهمومها، ضعيفَيْن جدًّا إن لم يكونا منعدمَيْن تمامًا.
ذلك الفقر المدقع فى الشعبية (ناجم عن حزمة أسباب موضوعية، أهمها الحصار القاسى والملاحقات الأمنية المستمرة فضلاً عن تحجر ودوجمائية الوعى والخطاب السياسيين) بدا منعكسا وظاهرا بقوة ووضوح فى نوع وحجم عضوية التنظيمات المذكورة، إذ ظلت محصورة ومحاصرة وحبيسة داخل حدود ما يسمى فى أدبيات التنظيم السياسى «الكوادر العليا» ذات المستوى الفكرى والثقافى والنضالى المرتفع جدا فحسب.. أو هكذا كانوا يتوهمون.
وأعود إلى التنظيم اليسارى الذى بدأت به، فقد اخترع أحد عباقرته نظرية تنظيمية تلقفها أخونا الحزب هذا واحتفى بها احتفاء كبيرًا واعتمدها فورًا بعدما اعتبرها وسيلة ناجعة للقفز على مشكلة ضعف الفاعلية الشعبية وضيق مساحة العضوية المندرجة فى صفوفه، هذه النظرية سموها «الخط التنظيمى المائل» قليلا نحو الجماهير(!!)
وبعيدًا عن الاستعلاء وعدم اللطف الكامنين فى هذا المسمى فإن خلاصة النظرية تلك أن على الرفاق القادة أن يتعطفوا ويتكرموا ويتنازلوا عن بعض المؤهلات والاشتراطات الصارمة (فكريا ونضاليا) والتى كان لا بد من التأكد من توافرها كلها قبل السماح لأى شخص بالدخول فى «جنة حزبهم»، غير أن هذا التنازل لم يصل فى الجود والكرم إلى درجة أن الذين هبط ومال إليهم «الخط التنظيمى» الجديد يمكنهم التمتع بالعضوية الكاملة فى الحزب بل غاية ما يستطيع هؤلاء «المائلون المنخفضون» الوصول إليه هو الإقامة فى «حجرة تنظيمية» بائسة (تشبه حجرة الخدم) ومنفصلة انفصالا شبه تام عن البنيان (أو القصر) التنظيمى الأصلى، ومن هذه الحجرة المظلمة يمكنهم المشاركة فى الفاعليات النضالية للحزب.. ثم، كل عام أنتم بخير!!
طبعًا لست فى حاجة لأن أقول وأحكى لحضرتك عن الحصاد الصفرى لهذه النظرية التعبانة، فكل من له عينان يبصر بهما يعرف أن «الخط المائل» لم يصل فى ميله إلى تلويث صفوف الحزب اليسارى المذكور بأية جماهير وإنما أبقاه نقيًّا مغلقًا على «كوادره» التى بدأ بها، فقط كل ما حدث أن الذين ماتوا من هذه الكوادر أو انشقوا (بالزهق تارة وباليأس تارة أخرى) جرى تعويضهم عن طريق الغرف التنظيمى من مخزون السادة «المائلين» المكدسين فى الحجرة إياها.
طيب، لماذا حكيت لك يا عزيزى كل هذه الحكاية الآن؟! ليس لأى سبب سوى أن أسلى حضرتك وأنت قاعد هكذا تغالب ملل الانتظار الطويل وتضرب أخماسًا فى أسداس فى انتظار معرفة أسماء السادة أعضاء حكومة الباشمهندس إبراهيم محلب فى ثوبها وتشكيلها الجديدين اللذين تتراكم بشأنهما تكهنات وتسريبات وشائعات وأخبار منقولة عن «مصادر» مجهولة تشبه اللهو الخفى أغلبها يتحدث عن مرشحين للاستوزار فى هذه الوزارة من نوع ليس جديدًا وإنما قديم أو قديم وعتيق جدًّا، كما أن بعضهم ليس فقط من الصنف «المائل»، بل من المائلين والمتنيلين جدًّا جدًّا.. وربنا يستر.