عشية مظاهرات 30 يونيو، سألت القيادي البارز في «الإخوان» محمود غزلان عن السيناريوهات المتوقعة إذا انتهت المظاهرات ضد جماعته بتدخل الجيش. زالت ابتسامة الرجل فجأة واكتسى صوته بحدة مفاجئة وهو يرد قاطعاً: «ليست هناك سيناريوهات. هناك سيناريو واحد فقط. ستصبح مصر سوريا أو عراقاً أو صومالاً آخر. لن يفلتوا بفعلتهم».
بعدها بلحظات، استدرك قائلاً: «نحن لا علاقة لنا بالعنف. لكننا أقنعنا فصائل إسلامية متحمسة بالامتناع عن حمل السلاح، وإذا سقط الرئيس الإسلامي فلن يمكن السيطرة عليها. الإخوان هم من يحمون مصر من مصير سوريا».
بدا كلام الرجل عن براءة تنظيمه مناقضاً للتهديدات بالعنف التي كانت تتوالى من على منصة الاعتصام الاستباقي الذي بدأته جماعته ولغضها الطرف عن نشاطات المسلحين في سيناء. وهو ما تجلى في طلب «الحفاظ على الخاطفين والمخطوفين» الشهير.
لكن الأهم أن حديثه بدا تكراراً فجاً للعب بفزاعة «أنا أو الإرهاب» التي استند إليها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ويعيد أنصار الرئيس الجديد عبدالفتاح السيسي ترويجها.
ففي موسم تمدد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، انطلقت حملة متعددة المستويات للتذكير بأن السيسي «حمى مصر» من مصير أهالي الموصل الفارين أمام زحف التنظيم الذي يتهم «القاعدة» بالتفريط.
صحيح أن عدوى «داعش» في حال نجاح مغامرتها العراقية- السورية ستكون قابلة للانتشار، وقد تطرح نموذجاً يغري بمحاولات التكرار في بلدان أخرى، بصرف النظر عن فرص النجاح. ومصر ليست استثناء.
لكن حملة المنّ التي يقودها أنصار السيسي، وتتغذى على مخاوف أمنية موضوعية لدى غالبية المصريين، تتجاهل أن بشائر سياسات الرئيس الجديد تزيد فرص استنساخ نموذج «داعش» في مصر عبر تكرار خطايا سابقيه، وعلى رأسها تفريغ الساحة من البدائل.
فقمع الحركات الشبابية والناشطين بأحكام مشددة للتظاهر ومحاولة هندسة البرلمان على مقاس الحلفاء لضمان خلوه من المعارضة، مؤشران على توجه لإنتاج نظام مغلق رافض للاعتراف بالتعدد ومعادٍ للسياسة وأدواتها. وهذه تماماً المعادلة المطلوبة لنمو مشاريع «داعش» وأخواتها.
وهنا يجب تجنب الوقوع في فخ استسهال إسقاط ما يجري في العراق على الحالة المصرية، خصوصاً أن هذا يعد اختزالاً لصورة معقدة تتداخل فيها خلافات مذهبية وحرب إقليمية يتورط فيها بعض رعاة النظام.
إلا أن ما يعنينا في الحالة العراقية هنا هو الدور الذي لعبته محاولات رئيس الوزراء نوري المالكي للتفرد بالحكم، وتشكيل البلاد على صورته، وهي المحاولات التي فاقمت مظالم السنّة ومنحت «داعش» الحاضنة الاجتماعية التي سهلت مغامرتها الأخيرة.
مشاريع الحواضن الاجتماعية ليست بعيدة عن مصر. يكفي النظر إلى نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية وقبلها الاستفتاء على الدستور، لملاحظة عزوف كبير في محافظات غالبيتها حدودية لا تشعر بأنها ممثلة في النظام الجديد. وفي هذا غاية مشاريع «الدواعش» التي تلعب على التهميش وتقتات على مشاعر الإقصاء.
يدعونا الرئيس إلى «النظر إلى الأوضاع حولكم» وهو يتوعد بردع من يحاول تهديد أمن مصر في معرض حديثه عن «داعش». لكن يكفي أن ينظر هو على بعد بضعة كيلومترات من القصر الجديد الذي اختاره عنواناً لرئاسته، ليرى حي المطرية القاهري الذي خرج منه ثلاثة على الأقل من أعضاء «أنصار بيت المقدس» الذين قُتلوا في اشتباكات «عرب شركس»، ليدرك أن الخطر أقرب مما يتصور.
إجهاض أحلام «داعش» وأخواتها بإعلان «إمارة مصر»، لن يكون بالمنّ بالإنجازات الوهمية أو صراخ ضيوف البرامج الحوارية من «الخبراء الاستراتيجيين» أو ترديد التهديدات الرنانة، أو بالحل الأمني البحت الذي يستعيد صيغة القمع ويقتل السياسة، بل بفتح النظام لتمثيل مصالح القوى الاجتماعية المختلفة، وحرمان «داعش» من خزانات التجنيد ومشاريع الانتحاريين.
تويتر: @mohamedhani