ايجى ميديا

الجمعة , 1 نوفمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

إفراغ أدراج ميت

-  

واحد من أشق الأمور التى لابد أن نقوم بها عندما يموت لنا قريب، أو حين يقتل لنا قريب، هو إفراغ أدراجه من محتوياتها وفحصها، ولقد عهدوا إلىّ بمهمة فحص الأدراج فى مكتب أبى بعد مرور أسبوعين على مقتله (الملفات، الأوراق، المراسلات، الفواتير) على أن تتولى أختى وأمى أمر الأدراج فى البيت، إن فتح الأدراج يعد بمثابة إحداث شقوق فى عقل الآخر: ما هى أحب الأشياء إلى نفسه، من قابل؟ (وفقا للمواعيد الواردة فى الأجندة أو الملاحظات المدونة فى إحدى مفكراته) ماذا أكل أو اشترى؟، إيصالات من بعض المتاجر، كشوفات بنكية، فواتير، ما هى الصور أو الذكريات التى كان يكنزها؟ أى مستندات كان يحتفظ بها مكشوفة، وأى مستندات كان يحتفظ بها سرًا.

إن فتح درج من أدراج شخص متوفى كالغوص فى ذلك الوجه الذى يبدو له وحده، ولا يرغب فى أن يراه سواه، ويحول دون أن يراه الآخرون، وهو ذلك الوجه الخاص بالحياة الحميمية.

السطور السابقة من رواية «كولومبية» بديعة صدرت طبعتها العربية منذ أيام قليلة تحت عنوان «النسيان» للكاتب الكولومبى «إكتور آباد فاسيولينسى» وقد ترجمها عن اللغة الإسبانية «مارك جمال» وقد أجاد نقل الأحاسيس والأفكار التى تحتشد بها الرواية، وكما قال فى مقدمته للكتاب «إنه يفيض بهجة وأملاً فى عالم أفضل حتى إننى أسأل نفسى كيف لكتاب واحد أن يجمع بين دفتيه هذا القدر من الحزن والبهجة، اليأس والأمل، الألم والجمال، فى مفارقة تدعو إلى التأمل».. وقد أثنى على هذه الرواية أيضًا ناقدنا وكاتبنا الجميل علاء الديب وقال عنها «أثرنى صدق هذا العمل: مباشرته وفنيته فى نفس الوقت وشاعريته المختفية وراء أحداثه العنيفة».

وقد لفت نظرى فى هذا الكتاب أولا غلافه المسطور فى أعلاه «انتقامى الوحيد، أن أروى ما حدث»، ثم عنوانه «النسيان» الذى بمثابة الجسر الذى تعبر عليه الرواية لتبقى إلى الأبد فى وجدان القارئ، مرورًا بروي الكاتب لمسيرة والده الطبيب والأستاذ الجامعى والمناضل السياسى فى فترة عصيبة من تاريخ كولومبيا السياسى، ذلك الإنسان الذى وقف فى وجه التشرد والتعصب، مؤمنًا بأن الفهم الرجعى للدين يمثل تهديدًا خطيرًا لبلاده، وانتهاءً بتحالف الفساد ضده، واغتياله ضمن قائمة كبيرة من السياسيين الكولومبيين.

والمميز فى هذه الرواية الشبه تسجيلية التى نالت حظًا كبيرًا من الشهرة فى كل من كولومبيا وأمريكا اللاتينية، ووضعت مؤلفه فى مصاف مواطنيه من كبار الأدباء الذين أنجبتهم كولومبيا وعلى رأسهم «جابريل جارسيا ماركيز» إنها تؤكد أن السلاح الأكثر فاعلية فى مواجهة القتلة هو الكلمات، وقد نجح الكاتب بسرده المرهف والعذب لشذرات من حياة والده فى أن يوثق لإنسانية والده ونبله، غير غافل عن أخطائه الصغيرة وسذاجته الثورية أحيانًا وضعفه وانكساره الإنسانى، وقد حقق الكاتب فى النهاية انتقامه الوحيد برواية ما جرى، وسأنقل بعض الفقرات الثرية فى هذه الرواية لتشاركونى بعض المتعة.

(عندما كانت أختى الكبرى والابنة المفضلة لأبى «مارى لوس» تتوسل إليه كى لا يستمر فى تنظيم المسيرات الاحتجاجية وإلا سيقتل بهذه الطريقة، كان يجيبها بالقبلات والضحكات المجلجلة ليهدئ من روعها، ولكنه كان يستعيد الجدية والانشغال الجارف خلال المسيرات والاجتماعات التى ينظمها، فضلا عن حماسه لمرأى العدد الكبير الذى يرافقه والبهجة التى يكاد يبديها فى الوقت نفسه، خلال مشاركته فى تلك المسيرات، حتى وإن كانت احتجاجاته بمثابة صرخة يائسة وخطبة مطولة بلا فائدة، يبقى فيها وحده فى الكثير من الأحيان، فضلا عن ذلك فقد كان على قدر من السذاجة. ذات مرة، خرج فى مسيرة منظمة متجهة إلى مبنى المحافظة، برفقة مجموعة من الطلاب والناشطين فى مجال حقوق الإنسان، وفجأة وجد نفسه وحيدًا، بلا رفيق واحد فى المسيرة، حاملاً لافتته، تراجع الجميع حين وجدوا أنفسهم أمام سيارة مكافحة الشغب التابعة للشرطة، إلا أنه واصل التقدم، وحين أوقفوه ووضعوه فى السيارة الخاصة بشرطة مكافحة الشغب كيفما اتفق، سأله باقى المحتجزين لماذا لم يتراجع فى الوقت المناسب كما فعل الجميع، فشرح لهم ما حدث قائلاً إنه خلط بين سيارة مكافحة الشغب وسيارة جمع القمامة).

(ثم أخذ العداء يتفاقم عامًا بعد آخر حتى بلغ منتهاه، ذات مرة قالت له أختى «بيكى» التى كانت تتردد على أرقى وأثرى الأوساط بالمدينة «بابا إنهم لا يحبونك هنا فى (ميديين) فأجابها قائلاً: (يا حبيبتى) بالطبع يحبنى الكثيرون، ولكنهم ليسوا فى الأماكن التى تترددين عليها، إنهم فى جانب آخر، وسأصحبك يومًا لكى تتعرفى عليهم» .. تقول «بيكى» إنه يوم خرج الموكب الذى رافق جنازة أبى عبر أرجاء وسط المدينة، حيث خرج الآلاف يلوحون بمناديلهم البيضاء فى المسيرة، ومن النوافذ، وفى المقابر، حينئذ فهمت أن أبى يصحبها فى تلك اللحظة للتعرف على من يحبونه حقا).

(هل قتلوا بابا؟.. لقد حدسنا جميعًا ما جرى قبل أن نعرف بوقوعه. قالت لنا «مارى لوس»: بعد وهلة الجنون الأولى، تمالكت نفسى وهدأت من روعى، لم أكن أبكى، وهدأت الآخرين، أما «خوان دابيد» (الابن الأكبر وأول الأحفاد وأحبهم إلى قلب أبى) فقد أخذ يصرخ ويضرب الجدران بيديه ويعدو فى الشارع، من بيتنا إلى بيت «جدو» (هكذا كان ينادى الأحفاد جدهم)، ثم وصلت صديقاتى وهن يصرخن. وتلقت ابنتى «مارتيس» اتصالاً من زميلة لها فى مدرسة «مارى ماونت» حيث كانت تدرس هناك، قالت لها زميلتها بسعادة: يا «مارتيس» أليس هذا أمر عظيم! لن نذهب إلى المدرسة غدًا يبدو أن رجلاً مهمًا جدًا قد قتل.

(أما «بيلى»، الابنة الأخرى، والتى كانت فى عمر السادسة، فقد أغلقت باب غرفتها على نفسها ولم تفتح لأحد، كانت تصرخ «عندى الكثير لأذاكره، لدى كم كبير من الواجبات المدرسية، من فضلكم لا تقاطعونى!»).

(قالت «إيما» الخادمة يبدو أنهم قتلوا والدك، لم تصدقها «صول بيا»، لم ترد أن تصدقها، وأغلقت على نفسها باب الغرفة حانقة بسبب الفظائع التى تتفوه بها «إيما»، أخذ يدق جرس الهاتف، ثم يقهقه المتحدث قائلاً: «عظيم، عظيم، قتلوا ابن العاهرة»!. حينئذ تناولت «صول» المقص وقطعت أسلاك الهاتف عن آخرها، وبعد برهة، بينما هى مطلة من النافذة، لمحت سيارة أبى الحمراء تصل إلى المكان، وقالت لنفسها «يا لها من بلهاء! تخبرنى بأنهم قتلوا أبى، وها هو يصل» ولكن ما إن رأت شخصًا آخر يقود السيارة حتى صدقت، وغرقت فى النحيب والآسى).

شكرا لكاتب هذا النص الجميل، ومن أتاح لنا أن نقرأه باللغة العربية سواء بدعم النشر أو الترجمة، وأتمنى أن تترجم إلى اللغة العربية الأعمال الأخرى لهذا الكاتب، خاصة كتابه عن «القاهرة» الذى كتبه فى أثناء إقامته بالقاهرة لعدة أشهر فى عام 2000.

التعليقات