هناك رغبة ما فى أن تتغيَّر «صورة» الحكم فى مصر.. وتتكرَّر المشاهد فى إلحاح على أن الرئيس جديد بتقاليده وحركته ومفاجآته.. وبعد زيارته بالورود للمغتصبة ها هو يظهر فى مقدمة ماراثون الدراجات محاطًا بفرقة حراسة.. ومتقدمًا فرقًا تم تأمينها جيدًا من طلاب الحربية أو الشرطة.. لكنها صورة «جديدة»، خصوصًا عندما قاد الدراجة بيد واحدة بينما يده الأخرى تشير إلى جماهير لم نرَها.
السيسى كل يوم فى حكاية جديدة تكسر تقاليد الرئاسة القديمة «٣٠ سنة مبارك» أو المتوترة «سنة واحدة المرسى».. فلم يكن مبارك لديه شجاعة السادات فى الخروج على البروتوكول حين وقف أمام المصوّر بملابسه الداخلية فى أثناء طقس حلاقة ذقنه، ثم وهو يستمتع بالسباحة فى مكان خالٍ تقريبًا.
صورة مصنوعة لتوافق مزاج أمريكى للسادات الذى كان على قائمة أكثر ١٠ رؤساء أناقة فى العالم.. «الصورة» هنا توافق خروجًا سياسيًّا من المزاج الاشتراكى إلى الرأسمالى.. وهو ما لم تسعف المرسى مهاراته فى تقديم موديل «إسلامى» ظل مترددًا فى الخروج عن «الصورة»، وكلما حاول أو اجتهد أثار الضحك وكشف عن البؤس.
السيسى هنا يتحرَّك بقدرات إعلامية يمكنها صنع حكاية تحت السيطرة بالصور.. حكاية يتم تصويرها خارج القصر (ليس على طريقة السادات).. لكن بعد أن تتحوَّل الشوارع إلى «مواقع تصوير آمنة».. وهذه دروس جيدة فى بروباجندا إعلامية تفقد أثرها سريعًا عندما يتكلَّم السيسى نفسه بخطاب الوعظ الاجتماعى.
فالصورة مع الدراجات تفقد نصف لطفها.. عندما ترتبط بخطاب التوفير فى الطاقة (بينما واقع الحال يكشف عن مواكب الرئيس وتأمينه.. واستخدام الهليكوبتر، بل إن فى منتصف الصورة نفسها سيارة ضخمة تحمل أجهزة قطع شبكات المحمول المستخدمة منذ سنوات فى حماية الشخصيات المُعرضة للخطر).
كما أن الدعوة إلى ركوب الدراجات لا يواكبها تعديل هندسة الشوارع ولا تخصيص حارات لركاب الدراجات فى مدن لا يسيطر عليها المرور.. لأن مفاهيمهم للسيطرة تأتى عبر الهوجة، فتخرج هوجة لتجميع أموال باسم تطبيق قانون أو قاعدة منسية ثم تختفى.. ومعها قواعد المرور..
كيف تقود دراجة فى شوارع فوضوية وتُدار حسب مزاج إدارات مرور لم تتدرَّب عناصرها إلا على «الإتاوات» وتخشين «الحنجرة»، ورفع الأيادى بإشارات غير مفهومة كأنها تدلّنا جميعًا على المتاهة.
هل كان الغرض هو «الصورة» و«الوعظ» المصاحب لها؟
«الصورة» ستفقد دورها فى تأكيد أن السيسى رئيس «جديد» وستفقد أيضًا جديتها كرسائل رمزية.. كما أن زيارة المغتصبة ستفقد معناها أو تأثيرها إن لم تصدر تعليمات واضحة بمواجهة الاعتداءات الجسدية فى كمائن الشرطة والأقسام والسجون.. وتعليمات أخرى بحماية «حرية الفرد فى الحركة».. وإصدار قوانين تحاسب المجرم المعتدى سواء كان يرتدى بدلة ميرى أو ملابس مدنية.
دون تغيير فى السياسات والواقع.. سيبقى من صورة الدراجة ما يستدعى الطرافة والسخرية كما حدث عندما قاد حسن البرنس (الإخوانى عندما كان نائب محافظ) الدراجات فى الإسكندرية.. وسيبقى من صورة زيارة المغتصبة ما يفجِّر الأسى والبؤس فى ظل ورود حمراء.. وخطاب حنون.