تردَّدت حتى الآن أسماء ثلاثة من المثقفين لتولِّى حقيبة «الثقافة»، وهم الأساتذة حلمى النمنم وفاروق جويدة وأحمد المسلمانى، ورغم ذلك فإن هناك اسمًا رابعًا لا يمكن إغفاله وهو الوزير الحالى د.صابر عرب، وأتصوَّر أن فرصته لا تزال حاضرة عند صانع القرار، حيث إنه قادر دائمًا على الذوبان مع كل العناصر والتفاعل مع كل المتغيّرات السياسية والاقتصادية والدينية والنفسية، وأيضًا المزاجية، يُقال والعهدة على الراوى أنه يأخذ حاليًّا دروسًا فى فن قيادة الدراجات، وذلك فور علمه بأن السيسى يدعو لركوب الدراجة، ولهذا فهو ينتوى لو تحقّق المراد من رب العباد وتم التجديد له أن يذهب إلى مكتبه بشجرة الدر فى الزمالك بدراجة 18 بدلًا من المرسيدس 350!!
اختيار وزير الثقافة كثيرًا ما يدخل فى تغيير مؤشره فى اللحظات الأخيرة ما دأبنا على أن نطلق عليهم ثوارًا، هم فى الحقيقة لا يريدون سوى مَن ينفِّذ مطالبهم فى الحصول على قضمة معتبرة من تورتة المناصب والمنافع، وصابر كان يعرف مفاتيحهم ويجيد التعامل معهم، يمنحهم بقدر ما يوفِّرون له الحماية للبقاء فى المنصب.
أتمنى أن لا يُنصت المهندس إبراهيم محلب إلى هؤلاء، فهم الذين اعترضوا من قبل على ترشيح الكاتب أسامة الغزالى حرب فى الوزارة الأخيرة بحجة أنهم لم يَروه فى معرض تشكيلى من قبل، وبعضهم قال إنه لا يمت إلى الثقافة بصلة، كانت هذه هى الأسباب المعلنة، بينما المسكوت عنه هو أنهم لا يطمئنون إلى مدى استجابته إلى مصالحهم الصغيرة.
الأسماء المرشَّحة أو تحديدًا الذين ترددت أسماؤهم ليسوا هم فقط وربما يأتى اسم رابع أو خامس خارج الصندوق، ويجب ملاحظة أنه لن يحظى بموافقة كل مَن يرفعون راية الثورة، ربما تجد مثلًا مَن يؤيِّد واحدًا ليس لأنه الأكفأ، ولكنه صديقه الذى سيحقق مطالبه، بينما ثائر آخر سيوافق على مرشَّح ثانٍ لأنه أيضًا تربطه به صداقة، وسوف يؤكد ثائر ثالث أنه ناضل وقاتل زملاءه الثوار حتى يرضخوا له.
يريدون وزير تفصيل على مقاسهم، يرضون عنه بقدر ما ينشر لهم مجموعاتهم الكاملة القصصية أو الشعرية، تلك هى البشارة التى ينتظرونها.
ملفات عديدة تنتظر الوزير القادم أتصوَّر أن على رأس القائمة علاقة المجتمع بالفن والثقافة، ما الذى ينتظره الناس من الأغنية والفيلم والرواية والقصيدة، هل السلطة الحالية تريدها نظيفة؟ هناك صوت يعلو برقابة اجتماعية بقبضة من حديد، والوزير صابر عرب استشعر أن هناك توجهًا ما داخل السلطة فى الاتجاه إلى المحافظة، فسارع بتنفيذ المطلوب وشكَّل لجنة لتقييم العمل الفنى اجتماعيًّا، والمقصود أن يتم الحذف الرقابى بمعرفة المثقفين، أى يصبح المثقف هو الذى يراقب زميله المثقف، وهى دائرة شريرة، خصوصًا أن الوزير يستعين فى العادة بمَن هم بطبعهم يسيطر عليهم المنظور الأخلاقى فى التقييم قبل المعيار الفنى، كما أن هناك أيضًا مَن يجيدون التلوُّن فى الرؤية، ليس لديهم موقف مسبق، ولكن لديهم مصلحة دائمة، مستعدون لتنفيذ ما تريده الدولة، يتحوَّلون فى لحظات إلى أدوات للنظام ويشيلون الليلة.
مأساة الثقافة فى مصر ستكتشف أنها ليست فى النظام، ولكن فى قسط لا بأس به ممن ينتمون إلى قبيلة المثقفين، لا يريدون من الرجل الذى يمسك بالحقيبة سوى أن لا ينسى نصيبهم مما بداخل الحقيبة.
المثقفون الذين كانوا بالأمس القريب يرفعون شعار استقلال المهرجانات عن الدولة ومنح المجتمع المدنى فرصته فى تحمُّل المسؤولية لإقامة الأنشطة الثقافية، وكانوا يكتبون المقالات ويوقّعون على البيانات التى تطالب بالاستقلال التام أو الموت الزؤام، هم أنفسهم الذين يرتمون الآن فى أحضان الوزارة، ينتظرون ما تجود به عليهم، ولا أستبعد أنهم حاليًّا يتلقون تدريبات مكثَّفة فى فن قيادة الدراجة!!