قبل سنوت قليلة أذاعت وسائل الإعلام البريطانية خبرا أحدث نقاشا وجدلا صاخبين فى المجتمع الإنجليزى.. لماذا؟ لأن الخبر المذكور كان عبارة عن نتائج استطلاع أجرته حملة «برمنجهام ساينس ستى» لتشجيع العلم على عينة من تلاميذ المدارس فى أنحاء، وكشفت هذه النتائج أن طفلا بريطانيا واحدا من بين كل عشرة يعتقدون أن الملكة إليزابيث الثانية «88 عمرها الآن عاما» هى التى اخترعت جهاز التليفون!
وعلى الرغم من أن النتائج نفسها أظهرت أن 80 فى المئة من تلاميذ العينة قالوا المعلومة الصحيحة، وهى أن العالم الإسكتلندى إلكسندر جرهام بيل (1847 - 1922) هو مخترع تلك الآلة التى أحدثت ثورة نوعية هائلة فى التواصل بين البشر، فإن هذا الجزء بالذات من نتائج الاستطلاع أثار اهتماما ملحوظا، ولم يخل الأمر من تعليقات ساخرة ولاذعة أرجع بعضها سبب شيوع هذا الاعتقاد الخاطئ عند قطاع لا يتعدى العشر من أطفال المملكة، إلى طول مدة بقاء الملكة إليزابيث على كرسى العرش، إذ توجت خلفا لأبيها الملك جورج السادس يوم 6 فبراير سنة 1952.. أى قبل 62 عاما بالتمام والكمال.
هذا التفسير قاله نفر من المعلقين البريطانيين، وهم يعرفون طبعا -كما الدنيا كلها- أن الملكة عندهم لا تحكم، والتاج البريطانى مجرد رمز للدولة، بل إن النظام الملكى كله فى هذا البلد يكاد يكون الآن شىء أشبه بـ«الفلكلور» أو «المعلم» السياحى لا أكثر، وقد مر على إليزابيث الثانية، منذ جلست على عرش الإمبراطورية حتى الساعة، ثلاثة عشر رئيس حكومة منتخبا من الشعب (ابتداء من تشرشل إلى ديفيد كاميرون) كانوا -ومازلوا- جميعا أصحاب السلطة الفعلية والشرعية وقراراتهم السياسية والاقتصادية سارية ونافذة على كل من فى الدولة بمن فيهم سكان القصر الملكى نفسه.
و.. تعالوا، من باب التسلية وقتل الوقت وتخفيف الملل شوية، نتخيل معا لو كان عندنا (أصلا) شيئا أو أى حاجة تشبه حملة «برمنجهام» لتشجيع العلم، وأن هذه «الحاجة» فعلت ما فعلته حملة بريطانيا، وأجرت على عينة من تلاميذ مدارسنا أستطلاعا من النوع آنف الذكر.. هل حضرتك تستطيع أن تخمن وتتوقع كيف ستكون نتائج هذا الاستطلاع؟!
الحقيقة العبد لله يتوقع -وأظنك كذلك- أن تأتى النتائج كاشفة عن أن نصف أطفالنا على الأقل -وربما نسبة مماثلة من آبائهم وأمهاتهم- عندهم اعتقاد راسخ، ويستقر فى قلوبهم إيمان قوى وعميق بأن السيد عمرو موسى الدكتور كمال الجنزورى، واحد منهما أو كلاهما معا اخترعا «العجلة الحربية»، وأن حسنى مبارك وولده أشرفا على بناء أهرامات الجيزة الثلاثة (على الأقل)، أما محمد مرسى وعصابته فقد حطما أنف تمثال أبو الهول، ولم يسعفهم الوقت لكى يحطموا باقى معالم وآثار تاريخ مصر وحاضرها.. غير أننى أشك شكا عظيما أن النصف الباقى من تلاميذنا وربما نسبة مهمة من أهاليهم، سمعوا أصلا بحكاية «العجلة» آنفة الذكر، كما أشك الشك نفسه فى أن أحدا من هؤلاء رأى «الأهرامات» بعينيه، ولا تمثال الأستاذ أبوالهول، ولا أنفه طبعا.
صباح الخير..