حكمت المحكمة بالسجن 15 عاما لمن تظاهر احتجاجا على قانون التظاهر، بينما سعر كيلو البلح الذي يحمل أسم السيسي وصل الى 20 جنيها فهو الاغلى والمفروض أيضا أنه الاحلى . بعض الزملاء توجه للرئيس قائلا لا نريد ديمقراطية فقط العدل ،هل من الممكن أن تٌقيم عدلا بلا ديمقراطية ،أم أنها الطريق الدائري السريع لتحقيق القمع .
هل نلتهم " شُوب" البلح على مائدة الافطار وهناك مصري يقضي تلك العقوبة القاسية في السجن؟ لم يهتك عرضا ولم يتحرش بفتاة ولم يدع لقلب نظام الحكم ،فقط أعلن احتجاجه على قانون من وجهة نظر الكثيرين يخالف مادة صريحة في الدستور ، قضية وطنية والبلح أيضا قضية وطنية ،حكاية البلح حكاية طويلة تبدأ مع الزعيم الوطني سعد زغلول الذي كان حاضراً بقوة في تاريخنا المعاصر قبل تلك الواقعة ،عندما منعت قوات الاحتلال البريطاني ترديد اسمه فكان الوجدان الشعبي حاضرا بقوة من خلال وسائل دفاع لا تستطيع أن تمنعها الأجهزة القمعية البوليسية وهكذا أطلقوا اسم بلح "زغلول"و لا يزال حتى الآن ينادى عليه البائعون يا بلح "زغلول" أرقي وأغلى أنواع البلح.
ومن الواضح أن المصري الذي لجأ إلى هذه الحيلة في ثورة 1919 لا يزال يعتبر البلح خاصة فى رمضان هو أحد أهم وسائل التعبير وإعلان الرأي وهكذا أطلق الباعة اسم السيسي للعام الثاني على التوالى ووصل الى 20 جنيه للكيلو، بينما كيلو بلح مرسي لم يتجاوز 3 جنيه ، ناهيك عن فوانيس "السيسي" و"بشرة خير" و"تسلم الايادي".
بين الحين والأخر تلعب السياسة دورا في هذا السوق ، ومن المفارقات أنه في عام 2009 عندما كانت الدولة تسعى لتنفيذ ملف التوريث توجهت لسوق البلح وأطلقوا أسم جمال على نوع فاخر ، ولم تكن النتائج في صالحه حيث تضاءلت معدلات الشراء ، وكرروا نفس المحاولة في العام التالي وظل الحس الجمعي رافضا شراء بلح "جمال ".
كانت أجهزة الدولة لا تترك الفرصة إلا وتستخدم كل ما يمكن وما لا يمكن أيضاً لكي تمهد المجتمع لتسويق اسم جمال ليس فقط كأمر واقع ولكن كحل وحيد.
بعد 25 يناير ظلت معركة البلح قائمة فكان أغلى الأنواع هو بلح "الثورة "وتصدرت أسماء مثل وائل غنيم وأحمد حرارة المشهد باعتبارهما الاغلى والأفضل ، بينما وضعوا أسماء مساجين طرة في رمضان 2011 في أشولة الأردأ " أبو سوس" ، ، وكأن الأقدار ترد لهم الصفعة صفعتين والشوال شوالين!!
سوق البلح وتستطيع أن تضيف إليه أيضاً سوق الفوانيس كان يبدو لي وكأنه بمثابة استفتاءً جماهيرياً عفويا يكشف توجهات الرأي العام على المستوى الفني و الرياضي و السياسي ،حيث كان البلح دائماً يمنح أسعاراً مرتفعة للنجوم الشعبيين في التمثيل والغناء وكرة القدم وتتغير الأسعار من موسم إلى آخر تبعا لمواقعهم الجديدة ، مثلاً أبو تريكة كان الأعلى بعد ذلك صار جدو ثم أختفي الاثنين، نانسى وهيفاء كثيراً ما كانتا تتبادلان المركز الأول، أوباما احتل مكانة مميزة في 2010 نظراً لإعجاب المصريين بمواقفه بعد ذلك هبط سعره مع هبوط شعبيته ومصداقيته.
سوق البلح عرفناه في النصف الثاني من الثمانينيات مع النجاح الطاغى وغير المسبوق الذى حققه مسلسل "ليالى الحلمية" قبل عصر الفضائيات عندما كان المصريون يشاهدون معا وفقط القنوات الأرضية وحققت صفية العمري الشهيرة ب "نازك السلحدار" أعلى حالات النجاح الجماهيري خاصة وأن الناس كانت تتابع الصراع الدائر عليها بين العمدة "سليمان الغانم" صلاح السعدني والباشا "سليم البدري "، وتعددت بعدها الاسماء تبعا للنجاح الرمضاني مثل محمود عبد العزيز " الهجان".
سوق البلح قاسي ومتأرجح ، هل يحافظ السيسي على سعره طوال رمضان 2014 ،بينما هناك من يسجن 15 عاما لأنه تظاهر قائلا لا لقانون التظاهر!!