على جدار قلب الزملكاوى الحقيقى ندبة من أثر حزن قديم لهذه اللحظة، التى ألغى فيها الحكم هدفًا لحسن شحاتة فى مرمى الأهلى، كان يخرج به فائزًا بالمباراة وبالدورى يومها. الزملكاوى الحقيقى هو الذى يبتسم ويبتهج وتغزوه السعادة الفخور، حين يزور ذاكرته مشهد إحراز حسن شحاتة الهدف الأسطورى فى مباراة المصرى.
تسلم المعلم وسام تكريمه إذن من الاتحاد الدولى لكرة القدم منذ أيام، لكن وسامه الممنوح من قلب كل زملكاوى لا يعرف عنه بلاتر شيئًا.
نحن نعرف.
لأعود إلى سطور هذا الرجل فى كتاب عمرنا، الجيل الجديد يعرف المعلم مديرًا فنيًّا يقود المنتخب إلى النصر الإفريقى المدوى.
لكننا نعرف المعلم كذلك لاعبًا يقود قلوبنا، يزرع الورد فى شرفات ذكرياتنا.
كان حسن شحاتة نجم أيامى وحلم شبابى وبطل جيلنا، كان البعض يحاول أن يسرق الأضواء والبعض الآخر يسرق الفرح، لكن حسن شحاتة كان المعلم دائمًا، الجدع فى مواقفه، المخلص فى عطائه للكرة، المتفانى فى حب ناديه، العاشق لجمهوره، منكر الذات بين زملائه، «معلم» فيه كل ملامح المعلم الجسدية من جسم قوى وبدن عفى يشبه التكوين الجسدى لفتوات نجيب محفوظ، ومن ثم فهو المصرى ابن الحارة، وابن الدائرة، وابن الشعب الذى يغيث وينقذ ويحمى ويصون ويحكم بقوة على قسوة المخالفين النافرين، وبشاربه الذى لم يتخل عنه أبدًا كان المعلم بذكورة الشهم ورجولة ابن الحتة، الذى يحرم معاكسة بنات المنطقة ويحلق للعيال الخنافس التى تتطاول على حرمة المحرم.
وهو المعلم بطريقة كلامه وأداء حنجرته، الذى تشعر معه أنه يتفاوض مع معلمين على قهوة، أو يطلب يد البنت سعاد بنت المعلم هريدى للواد منعم بن الحاج زين -الله يرحمه- وعشان كده هو فى مقام والده وبيخطب له. معلم ومصرى جدًّا واستثنائى فى مصريته هذا الرجل. رافقه فى جيله كثير من الأسماء البارزة الآن على صعيد الرياضة، لكن بعضهم بنى شهرته ومجده بعد الاعتزال على الصورة المصنوعة، والإعلام المدفوع حبًّا أو أجرًا، وعلى العلاقات العامة وعلى بزنيس التجارة والشطارة، إلا هذا الاستثنائى الذى مزق فانلته غضبًا وحماسًا بعد أن أحرز هدفًا أنقذ الزمالك من هزيمة، والذى عاد من اعتزاله كرة القدم كى يلعب مباراة إنقاذ للزمالك (الله يخرب بيت الزمالك دائما فى حاجة إلى إنقاذ)، فأحرز هدفًا معجزة فى مرمى المصرى لا يزال يزورنى فى الحلم، والذى تحمّل عدوانية جمهور مباراته مع الأهلى، وهو يسبه فى شرفه ويطعن فى كرامته، فرد عليهم بكبرياء المعلمين الذين يترفعون عن الدفاع عن أنفسهم فى مواجهة صغار الصغائر. وهو الذى أحرز هدفا شريفًا ليكسب الزمالك الدورى من فك الأهلى، فألغى الحكم الهدف وأبقى حسن شحاتة فى التاريخ.
حسن شحاتة الذى يصعد بفِرق الدرجة التانية لتكسب مليارات الأهلى والزمالك، وهو الذى ينقل منتخب مصر من حالة التفكك والتفكُّه به إلى مرمى البطولة ومرامى الشَّرف، وتهتز تجاربه الأخيرة وينهش النهاشون فى عبقريته ويتطاولون عليه، لكنهم لا يطولونها أبدًا!