قبل أيام بثت وسائل الإعلام العالمية خبرًا طريفًا يخص الرئيس الأمريكى باراك أوباما، إذ يحكى عما لاحظه كثير من الناس من أن رئيس أقوى دولة فى العالم بدا منهمكًا فى مضغ «لبانة» بينما هو يتحرك أو يقف مطلع الأسبوع الماضى تحت ضوء كثيف وسط نخبة من رؤساء وملوك وحكام كبرى دول أوروبا الذين تجمعوا معًا فى منطقة نورماندى شمالى فرنسا للاحتفال بالذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء (أغلبها من الجيش الأمريكى) على سواحل هذه المنطقة إيذانًا ببدء تحرير كامل الأراضى الفرنسية من الاحتلال النازى وإنهاء آخر فصول الحرب العالمية الثانية وإكمال دحر ما تبقى من جحافل جيوش ألمانيا الهتلرية.
وجاء فى الخبر أن «لبانة» أوباما أثارت عاصفة تعليقات ساخرة وغاضبة أطلقها عشرات الآلاف من مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت، ووصف بعضهم هذه «الفعلة» من الرئيس الأمريكى بأنها «تفتقر إلى اللياقة والاحترام» أو «مبتذلة» و«شائنة»، بل إن إحدى المغردات على «تويتر» خاطبت أوباما قائلة: «ابصق هذه اللبانة يا قليل الأدب»، وقال آخر: إن «رئيس أمريكا يمضغ لبانة، بينما النشيد الوطنى الفرنسى يعزف!!.. أيها الرئيس ألا تريد أيضا أن نأتى لك بزجاجة كوكاولا لتشربها وأنت واقف بين زعماء يحيون ذكرى معركة عظيمة سقط فيها شهداء من جيش الوطن (إشارة إلى الجيش الأمريكى)؟!».
كما ذكَّر البعض بأن الرئيس أوباما سبق أن ارتكب الفعلة نفسها قبل أشهر عندما ظهر وهو يلوك «لبانته» عينها بينما كان يشارك فى حفل تأبين الزعيم الجنوب إفريقى نيلسون مانديلا!!
غير أن أوباما والمتحدث باسم البيت الأبيض التزما، فى مواجهة هذه العاصفة، الصمت التام ولم يعلقا نهائيا على الموضوع، وإنما اكتفيا فقط بتسريب معلومة أن «الرئيس مضطر إلى الاستعانة بمضغ اللبان لفترات طويلة، لأنه أقلع عن عادة التدخين منذ أكثر من عام».
تلك الحكاية كلها ماذا تقول؟ تقول باختصار، إن الرؤساء بمن فيهم رئيس الدولة العظمى الأولى فى العالم والمعدود ضمن أكثر رؤساء الولايات المتحدة تعليمًا واطلاعًا وثقافة، هم أساسا مثل كل البشر غير معصومين من السقطات والأخطاء والخطايا، وقد تهبط بعض زلاتهم إلى مستوى ارتكابات «العيال» التى يستحقون عليها لومًا وشتمًا وبهدلة شديدة، من نوع وصفهم علنًا بأنهم يعانون من نقص حاد فى «التربية والأدب» ويفتقرون إلى القدرة على إظهار الاحتشام، فضلاً عن «اللياقة والاحترام» الواجبين.
طبعًا هذا الخبر هو من الأشياء العادية جدًّا فى البلدان والمجتمعات الديمقراطية، إذ إن الرئيس هناك مجرد إنسان ومواطن مكلف من الشعب بخدمة عامة يؤديها ويمارسها تحت ضوء باهر ورقابة صارمة لا تترك شاردة أو واردة من دون حساب قاس.. أما نحن فما زال أمامنا طريق طويل علينا أن نمشيه، ليس لكى نبنى مؤسسات الدولة الديمقراطية ونتعود على انتظام آلياتها، وإنما الأهم حتى نتعلم ويستقر فى ثقافتنا ووجداننا معانيها وقيمها التى تتناقض تناقضا كليا مع عادة نزع وتجريد الرئيس (أى رئيس) من طبيعته البشرية وإنزاله منزلة الملائكة والقديسين، أو اعتباره نصف إله أو ربما «إلها» كاملا، لا يأتيه أى خطأ أو باطل، من بين يديه ولا من خلفه ولا من أى حتة أخرى.. وحتى لو مضغ الرئيس اللبان فى أى مناسبة، فإن لبانته تلك لا بد أن تكون «لبانة تاريخية» مثل صاحبها، كما أن مضغها علنًا إنما هو عمل حكيم وجسور ورائع، وجاء فى موعده مع القدر بالضبط.. وصباح الفل.