شاهدنا استعراضا مزدوجا فى ليلة تنصيب السيسى...
الدولة استعرضت هيبتها... فى قصر القبة وخيبتها فى ميدان التحرير... والمسافة بينهما/ الهيبة والخيبة/ هى أحد الأعمدة المؤسسة لفشل الدولة...
الأمن لا يعرف طوال سنوات الاستبداد إلا «أمن الحاكم»، أما الفرد العادى فله رب يحميه وعسكرى يراقبه ويروضه بالضرب والقمع....
هذا المفهوم فى الأمن هو ما رأينا بشاعته فى أول أيام حكم السيسى... استطاع الأمن حماية «استعراض الهيبة».. بإخلاء منطقة الاحتفال من «الشعب» الذى بدا أنه كورس غير مرغوب فيه... أو مطلوب ظهوره فى لحظات تأكيد شعبية «الرئيس الجديد».
بينما فى التحرير... تجلت «خيبة» الأمن فى الاهتمام بالشكل (بوابات إلكترونية ودبابات جيش وقوات حماية..) لكنها لا تملك وسائل ولا مهارات حماية التجمعات الكبيرة...
من هنا كان العار الكبير الذى سجلت فيه الكاميرات اغتصابا جماعيا من مجموعات «الجوع الجنسى»... وهى مجموعات من إنتاج عصر الانحطاط وتربية الدولة القمعية...
ثورات قطيع الجوع الجنسى أو العشوائيين ليست ضد السلطة، ولكنها ضد المجتمع. النخبة القديمة والعجوز قد لا تهتم بحرية امرأة فى السير بحريتها فى الشارع من دون تحرشات. لا تعتبر النظرة التقليدية للسياسة أن حرية السير فى الشارع هى حق سياسى. وأن الهستيريا الجماعية التى تتحرك مثل القطيع وراء قطعة لحم يريدون تعريتها أو لمسها بالقوة، قوة القطيع وفوضى الرغبات المكبوتة، هذه الهستيريا هى تعبير سياسى وليست مجرد سقطة أخلاقية جماعية أو حتى أخطاء أمنية فى حماية المواطنين.
لكنها جزء من فكرة أكبر، وهى أن المجتمع فى مصر فاقد لقانون يرسم العلاقة بين الفرد والجماعة، وبين الفرد والسلطة.
وهو المنطق نفسه الذى يطارد به الشباب فتاة فى الشارع، فهم طامعون فيها ولكن قبل ذلك يقومون بتعريتها من حقها ويمارسون عليها رقابة أخلاقية تضعها فى خانة «المثيرات جنسيا» ويحق عليها العقاب: التحرش والمضايقة كنوع من ممارسة سلطة سلبية تمنع النساء من حق الحرية والأمان فى الشارع.
هؤلاء أكبر من تحليلات أقدم ترى أنهم نتاج تربية خطاب دينى يحرم خروج المرأة للشارع، وخطابات محافظة تريد إعادة إنتاج الاستبداد الشرقى وسى السيد...
إنهم ضحايا ساديون... لا يتمتعون إلا بإيذاء فريستهم... الفريسة العارية تثيرهم كما تثير الضباع....
هؤلاء الضحايا يسيرون فى الشارع جماعات تستعرض قوتها... ردا على شرطة تمارس استعراضها وبلطجتها عليهم... وخارج حفلات التحرش هم فى بحث عن حفل دائم.. يفجرون فيه طاقاتهم فى الاعتداء والتهام الضحايا الأضعف...
إنها الخيبة...
الخيبة الواردة من عصر انحطاط كامل... نتلقى فى وجوهنا كل يوم منتجاته فى وجوهنا... وبعد إنكار طويل... نعى حقيقة أن شوارعنا تحولت إلى غابات البقاء فيها للأكثر توحشا.