عذرًا على اسم المقال، في الحقيقة حاولت بكل الطرق استبدال هذا الاسم إنما لم أستطع.. فهذا تحديدًا ما أحاول توصيله حين أفكر في نقل مشاعري: قرف، احنا عايشين في قرف..
مين الإحنا؟
الستات..الآنسات.. الجنس البشري الآخر الذي كتب الله عليه أن يعيش في هذه البقعة من العالم تحديدًا، لتفنى أعمار كاملة في مقاومة هذا الهراء...
أتساءل كثيرًا: ليه يارب؟ ليه هنا تحديدًا؟ ليه كل الستات الموهوبة الحلوة المليانة حياة دي تتولد هنا؟ كنت سأرضى تمامًا لو حرمت هذه البقعة من العالم من النساء إلى أن تفنى عدة أجيال من الرجال المختلة عقليًا وروحيًا، وتنضب هذه النبتة الفاسدة المقرفة من جدرها بقى، حينها فقط يمكن أن يُعاد توريد النساء من العالم الآخر إلى هنا من جديد، النساء التي تستحق أن تعيش آمنة، محترمة، حرة... ألا تفقد آدميتها لمجرد الاقتناع المختل بأنها يجب أن تكون خدّامة درجة أولى، أو لمجرد امتلاكها بعض المنحنيات في جسدها الهش.
ليه؟! ليه أصحى على فيديو لبنات بتتعرى في الشارع وواحد .... –كنت أتمنى أن أمتلك المساحة الكافية لشتمه الشتيمة التي يستحقها- بيصوّرهم بموبايله! ليه لازم أعيش في عالم مصاب بالسعار الجنسي وأستحمل؟ ليه أنا طول الوقت أداة لممارسة عقد الآخرين أيًا كانت؟ دي كمان عشان خاطر مصر؟ مصر إيه وزفت إيه بقولكو بتتعرى في الشارع!
الحدوتة من الأول:
تولد الفتاة طيبة الروح، أبواها يمجسانها أو يهوداها، يخرجانها للعالم إما على هيئة بني آدم لا فرق بينه وبين آخرين لمجرد اختلاف النوع، أو على هيئة مسخ... أزيل جزء من جسده منذ ولادتهتباعًا لمبدأ: هما قالولنا كدة صح... وخلاص، ذلك قبل أن تتم برمجة المسخ على معرفة حجمه بالضبط، فهو دائمًا أقل..
الفتاة تتعلم منذ الصغر كيف تخدم أخوها وأبوها والجيران واخواتهم واللي يتشددلهم كمان! "بنت شاطرة يعني خدمة ممتازة."، قد تفعل الحلوة كل ما يؤهلها لتملك العالم... تدرس، تكتب، تتفوق في رياضة، في علم.. إلا أنهم حين يمدحون الحلوة أمام الآخرين سيقولون عنها "من صُغرها فُلّة"، لا فرق بينها وبين غسالة زانوسي بـ12 برنامج.. هكذا تنتقل الحلوة من بيت أهلها لبيت العريس لتستمر في الخدمة بمنتهى التفاني، حتى في أسوأ حالاتها الجسدية والنفسية، لا شيء يبرر استغنائها عن مسئولياتها وواجباتها كزوجة أبدًا، بس ثانية واحدة.. مين اللي قال إن دي مسئولياتها وواجباتها كزوجة؟! ربنا؟ ربنا قال إن كل البنات خدامات بالفطرة والرجالة لو شالوا كباية الشاي يستحقوا وسام الشرف درجة أولى؟!
دة ربكم انتوا.. ربي أنا لا يرضى هذه الإهانة النفسية لأي مخلوق خلقه، بلومنحه أيضًا روحًا أرق، تتمنى فقط أن تبقى عزيزة.. ربي أنا مايرضاش ببهدلة البنات كدة.. لكم دينكم ولي دين.
نبتلع القرف الخاص بهذا القالب ونقول "مش مهم.."، الحياة لازم تمشي.. نحاول أن ننسى هذا الوجع ونجد منفذًا لتخلص الروح من عبء الإهانة.. نخدم ماشي، وماله.. المهم يكون بيسمحلي أخرج، أشوف صحابي، أشتغل...
"بـ..يــ..ســ..مــ..حــ..لــ..ي"
يا آلهة القرف عند الإغريق أغيثينا، من الذي بحقك أعطى رقبة آدمي لكف آدمي آخر؟ يعني إيه يسمحلي؟؟ ليه؟ من قال أننا يجب أن نظل أسرى هكذا للأبد؟!
"ماتدقيش.."، "مشي أمورك.."، "عيشي"، هكذا يقولون، على أساس إن دي عيشة يعني..
وهكذا يستمر الحال، مظالم مظالم، حقوق تنتزع باسم الرب الأعلى والتقاليد السفلى، والنساء الحلوة التي كان من الممكن أن تغير العالم تأكل نفسها لتتضاءل بالشكل الكافي كي تناسب قوالبها سابقة الصنع، تُظلم، فتظلم بناتها، ويظلم بناتها بناتهن.. وتتربى أجيال من الرجال التي أكل روحها العطن، والنساء التي كُسرت في العمق..
النتيجة:
-أحد صفحات موقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت في الفترة السابقة، صفحة بعنوان "Humans of Newyork"..
الصفحة تتحدث بشكل إنساني بحت عن أشخاص عادية من الحياة اليومية تعيش في العاصمة.. لكل منهم قصة قصيرة للغاية، جملة ذات معنى، تجربة طيبة تجعلك تبتسم من قلبك، أو تجعل أشياء في صدرك تغرد بالتفاعل..
بعد مدة ظهرت "Humans of Paris"، وبدأت الفكرة في الانتشار لتجد كل بلد\بلدة ترغب في ضمك إلى صفوف المعجبين بأهلها، تتماس معهم من دواخل حياتهم.. تجد فيهم أكثر من صور سياحية أو تذكارية، تقتنع بأحقيتهم في الحياة مهما كانت رؤاهم مخالفة، مجرد احترام متبادل، يجعلك مهتمًا بقصصهم التي يقصونها ببساطة، وبراعة..
ثم تم إنشاء "Humans of Egypt"، وكنت في غاية اللهفة لأرى صور الناس ربما عرفت أحدًا منهم، كنت أنتظر صور لمصابي الثورة وبنات الثورة والنساء التي تجلس على منشات العيش وعربات الفول.. الخُضرية الذين يستمتعون برص الألوان بمهارة فائقة، ويلحنون شعارات عظيمة كـ "يا غُلبك يا مانجا، الزباين تعبانة أوي يا مانجا ... "
النتيجة: مبروك، صفحة جنسية.. تضع صور مبتذلة للنساء وتكتب عليها قصص أكثر ابتذالًا، آدميي القاهرة ومصر عبارة عن مجموعة من الجوعى جسديًا ولا شيء أكثر.. حاول أن تبحث عن "امرأة مصرية\egyptian girl" على أي محرك بحث، إذا كنت لا تزال آدميًا بأي شكل سيصيبك نوع غبي من التوعك ورغبة دفينة في البكاء..
- تنتشر فيديوهات الرقص في اللجان الانتخابية، أكثرها انتشارًا كان فيديو لفتاة ترقص وسط تكدس ما، وفي مشهد درامي ملفت.. يأتي أخوها ويقوم بجرجرتها كالمعزة من وسط القطيع و"يلطشها بالقلم"..
يقوم الجميع بالتعليق على الفيديو: "راجل".."آخر الرجال المحترمين".. "أهي دي بقى بجد اللي بشرة خير".. "أيوة بقى.." الخ الخ، السعادة الانتقامية الهائلة بتأديب هذه الحلوة التي قررت الرقص سجلها التاريخ، وسجل إن معظم اللي قايل الكومنتات دي بنات وستات!
- تُعرى الفتاة وتظهر صدريتها الزرقاء فيُقال أنها عاهرة ترتدي العباءة على اللحم وتخطط ليتم تعريتها، تقام كشوف العذرية على الفتيات اللاتي يُقبض عليهن في المظاهرات للتأكد من أنهن لم يشاركن في أخذ وجبة الكنتاكي وإقامة العلاقات الجنسية الكاملة..
ثم تهل علينا فيديوهات الاغتصاب الجماعي، والتي كان آخرها بالأمس فيديو لفتاتين تتم تعريتهما بالكامل على مرأى ومسمع من جميع البشر.. إلا أن احتفالات التنصيب الملكي كانت أكثر أهمية، والذي أعرفه كما أعرف اسمي تمامًا، أن المبرراتية سيجدون لنهش هذه الأعراض قدرًا كافيًا من التساؤلات: "الدنيا ليل وواضح إن المكان عامل كدة.. يعني ماسمعوش ع اللي بيحصل في الاحتفالات كل مرة؟"، "عرفوا يصوروهم ازاي؟ شكلها محبوكة"، "ايه اللي وداهم هناك؟ منطقة كلها شباب"، "عشان يتلموا في بيوتهم..."
وإذا صرخت غاضبًا ستكتمل النغمة: "يا ستي احنا مالنا ربنا يسترها على بناتنا"، "مش طالبة نكد"، "ماتفكريش"، "عيشي..."
يا أعزائي..
والله لا أعرف ما يمكن أن أقول سوى: كتكو القرف.. مش عايزة أعيش معاكو.. كتكو القرف!
كتكو القرف!
مقالات -