الطقوس لم تكن عابرة.. بل كانت الهدف من كل احتفالات أمس. الطقوس تعنى وجود «دولة» ما عريقة، وأنها تسترد من «غزاتها»...
ليس مهما أنها دولة لم تستطع اجتذاب إلا مجموعات من «أشقاء» (عرب) وأصدقاء «أفارقة»... لكنها استطاعت إقامة حفل...
وإقامة الحفل هو إعلان رمزى عن ولع الدولة بطقوسها وإظهار أن لها أدوات أخرجتها من الدواليب القديمة وغسلتها لتبدو فى «صورة» دولة حديثة لها تقاليد... هذه رسالة الاحتفال الذى سمى رسميا «تنصيب» وأضيف إليه تقليد «تسليم السلطة» كتابة، وهو تقليد ينتمى إلى الطقوس أكثر منه إلى مفاهيم الديمقراطية.... بمعنى يعلن بشكل ما فصلاً بين «الاحتفال» وخطاب السيسى «منقذ الدولة»... عن خطورة الديمقراطية.
الطقوس تخص سيطرة الدولة على أدواتها، أما الخطاب فيعكس الوعى الذى تمارس به الدولة سلطتها. لكنها «فجوة» بين الدولة وخطابها... تعكس فجوات أخرى فى كفاءة الاحتفال أو إتقانه، مقارنة بانعدام الكفاءة أو غيابها فى كل المجالات العامة، بداية من الأمن (الذى لا يحدث إلا بإخلاء الشوارع وتحول القاهرة إلى مدينة أشباح....) وحتى تفاصيل أخرى تحتاج من «المنقذ» إصلاح ما أفسده الاستبداد وأوصله إلى مرحلة التحلل.
الشعب المصرى كما قال أحد الأصدقاء يقدم الرئاسة «مكافأة» على «التخلص من الإخوان»..... والمحتفل بالبطل لا تهمه التفاصيل، كما أنه يمكن أن يكون بائسا/لينتظر البطل/ وفى نفس الوقت واعيا بالقدر الذى يجعله بعد قليل ينتظر «المصالح الغائبة»... بناة الأصنام هم الذين فى مأزق، لأنهم يروجون بضاعة فات سوقها أو أصبحت من مخلفات العصور القديمة... مثل صراع القديم أو الجديد... القديم لأنه قديم ينتصر أو يبدو فى جولة ما منتصرا يشعر بالفخر، قبل أن يذبل أخيرا مثل «قنديل أم هاشم» رواية يحيى حقى، التى كتب فيها عن الهزيمة المؤقتة للطبيب الحديث أمام باعة الخرافات... لكنه بعد قليل انتصر، ولو أكمل يحيى حقى روايته لاكتشف أنه أصبح بائعا حديثا للخرافات. اللعبة أصبحت مكشوفة أكثر، وباسم يوسف الذى اعتبر نفسه «مهرجا» لم يحب أن يلعب دور المناضل/ الضحية/ البطل.. لأنه فى سياسة تمارس كاستعراض لن يتحمل أحد بطلا أو ضحية أكثر من الوقت المتاح لعرض قصير.. ولهذا يفشل الإخوان لأنه ليس لديهم سوى عرض واحد لضحيتهم/ الرئيس الغائب الذى يثير التعاطف لا الحماس.
هناك على مستوى آخر قوة قادمة من مساحة غامضة/ لم يتم تأميمها بعد فى إطار بناة الأصنام/ أو كورس الضحية الإخوانية/ قوة غير منظورة أرسلت رسائلها الرمزية فى الانتخابات باتساع مساحات الأبطال لتقفز من 800 ألف فى جولة المرسى-الشفيق إلى ما يقترب من المليون ونصف فى الانتخابات الأخيرة..
تلك القوة لا يمكن حسابها على فصيل سياسى/ أو حصرها فى إطار نشطاء/ أو كتل سياسية تكونت حتى بعد 25 يناير، إنهم موزعون حتى على قطاعات من شرائح اجتماعية محسوبة على السيسى وجمهوره. تلك القوى غير المنظورة كيف ستندمج؟ وهل يصلح معها ما يفعله بناة الأصنام مع السيسى؟
الحفل عبر عن قدرات الدولة فى طقوسها.. كما كشف عن فجوات فى خطابها لا يمكن به إلا تقديم نفسها كممثل خلطة (يناير/ يونيو) التى تبدو جسرا لبناء نظام جديد يرفض النظامين السابقين (مبارك/ مرسى) معتمدا على انتظارات شعبية وبطولات الجنرال... لتبدو كما لو كانت الدولة تتخيل أنها تستطيع أن تخرج من سراديبها كل الشعارات السابقة عروبة، واشتراكية، أو «رأسمالية دولة»، و«دولة علم وإيمان»، و«انفتاح»، و«الكبارى والأنفاق كمشاريع قومية»، كل هذه الحزم ستجمعها الدولة فى سلة واحدة تصنع بها المعجزة.. وانتظار المعجزة فى حد ذاته هو الخطر الأكبر على السيسى... لكنه لا يمكن أن يعيش أو يحكم إلا فى إطارها....
.. وهذا ما سيجعلنا نرى الطقوس قبل أن نرى الدولة التى خلفها...
سنرى.