لا أظن أننى فى أى لحظة من حياتى قد حسدت أحدًا، واعتبرَ أحدُ أصدقائى هذا غرورًا، حيث اتهمنى بأننى لا أرى من يستحق أن أحسده. لا أشغل نفسى بالسبب، لكننى متأكد من النتيجة، إننى لم أحسد أحدًا فى أى لحظة من حياتى فضلاً عن أننى لم أحقد على أى بنى آدم أبدًا، بل ولم أنَم فى ليلة من عمرى أتمنى أن أصحو فلا أرى شخصًا معينًا فى الحياة أو فى حياتى.
لم أكره حسنى مبارك دقيقة واحدة طيلة حكمه، ولم تخالجنى لحظة كراهية لمحمد مرسى إطلاقا. خصومتى مع سياسات، لا شخصيات، كنت أعارض بلا هوادة وبلا مهادنة، دون أن أكره أو أتورط فى الكراهية، وقد خطط الإرهابيون لقتلى عام ١٩٩٢ فى «تنظيم العائدين من أفغانستان» ومع ذلك فقد استقبلت عشرات من أمهات الإرهابيين المقبوض عليهم دون محاكمة طيلة حكم مبارك وكتبت ونشرت أدافع عن حقهم فى الإفراج عنهم واحترام حقوقهم. ولعل بعضنا يعرف كم فتحتُ أبواب جريدة «الدستور» حين كنت رئيسًا لتحريرها للكتابة وللعمل للذين خططوا لقتلى وزملائهم، متسامحًا قابلا ما ظننته يومها توبة (أرجو أن تصدقنى عندما أقول لك إننى لا أكره الإخوان، بل أعتبر معظمهم فى حكم المدمن الذى يستحق علاجًا، ولا أحد يكره مدمنًا، بل يتعاطف معه ويشفق عليه).
أحببت مصطفى النحاس وجمال عبد الناصر حبًّا حقيقيًّا، لكن لم يجعلنى الحب مغرمًا بهما، بل لم أترك لنفسى مساحة لتبرير الأخطاء على طريقة «حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط» الحب حاجة والسياسة حاجة تانية، المحامى حين يحب موكله يضره، كما أن القاضى الذى يكره أو يحب المتهم يضر نفسه وعدالته.. والمتهم أيضًا.
إذا قررت أن تحب وتكره وأنت تؤيد رئيسًا أو تعارضه، فالأفضل أن تتنحى عن قلمك، وعن إعلان رأيك. شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يحلف اليمين صباح اليوم هائلة، لم تكن لرئيس بعد جمال عبد الناصر ولا ينكر هذه الشعبية إلا مهبول ولا يستخفّ بها إلا مخبول.
هذه الشعبية قد تزيد (أكتر من كده!!) وقد تتراجع حسب أداء الرجل وانحيازه وإنجازاته ومصداقية كلامه واتساق مواقفه، ولكنها عموما شعبية تُرهق صاحبها بالآمال العريضة والطموحات العظيمة التى يجد نفسه مطالَبًا بتحقيقها، بما لا تقدر الطاقة ولا تحتمل الاستطاعة.
شعبية السيسى هى حب وتأييد سبعة وتسعين فى المئة من المصريين له، لكن مشكلة الثلاثة فى المئة ستكون أكثر فداحة، وربما انتحارية النزعة لو حوَّلوا رفضهم للرجل من معارضة إلى كراهية، ومن كراهية للرئيس، ساحق الشعبية، إلى كراهية الشعب الذى يؤيده ويحبه.
معارضة السيسى مهمة جدًّا لدرجة أننا نحذِّرها من السقوط فى الكراهية.
وتأييد السيسى واسع جدًّا وساحق جدًّا لدرجة أننا نحذِّر أصحابه من السقوط فى الحب.