بمناسبة الاختلاف حول فكرة حفل التنصيب..
ومن أقحمها على مفاهيم «الرئاسة»؟
الكلمة فى اللغة العربية تعنى تنصيب الملوك أو الحكام المعينين..
والفذلكة المتعلقة بأنها تمثل لاحتفالات استقبال الرئيس الأمريكى الجديد.. أو INGURATION وهى كلمة لها أكثر من معنى (افتتاح/ تدشين/ تنصيب).. واختيار التنصيب بما يستدعى فى الذاكرة احتفالات ملكية مثل
عيد الجلوس أو خلافه.. هو دليل ارتباك داخل مؤسسات الحكم.. بين تقاليدها المعروفة ورغبات الحكم الجديد..
من باع الفكرة؟
إنه شخص أراد تقديم نفسه غالبًا على أنه «جاب التايهة» واختار للسيسى اسمًا يوازى شعوره بنفسه من وحى الأبهة الديمقراطية فى أمريكا (أمريكا نفسها التى تتلقى الشتائم كل يوم من المحيطين بالسيسى)..
المهم أن هذا المفهوم، إن كان تم بوعى أو بدونه، كشف عن رغبة فى التعالى على فكرة الانتخاب وتقاليد الجمهورية فى مصر وحشر مفاهيم على الأقل تستدعى ذاكرة عن الملكية والوراثة أو الحكم الأبدى المطلق.
هذا الارتباك فى البحث عن صبغة حكم ذكّرنى بحكاية من حكايات القاهرة عن صابغ الشعر الذى يعرف كثيرًا عن حكم مصر. الصابغ يحمل فى يده سر الحكم وقوته. صبغة الشعر أداة حكم. هذا ما يجعل مبارك يتمسك حتى الآن، وفى وضع المومياء، بصبغ شعره وعدم الظهور بالرأس الغارق فى الشيب أمام جمهوره.. حتى لو كان جمهوره بائسًا.. وهذا ما يجعل المشير السيسى يصبغ شعيراته القليلة استعدادًا لطقوس التنصيب على المقعد الكبير.
هذه بلاد حُكمت بالصبغة.. صبغة الشعر، لتخفى سنوات عمر الحاكم. وصبغة المدنية لتخفى طبيعة الدولة المملوكية (العسكرية/ وحتى الدينية).
كل حاكم يختار نوع صبغته ليخفى عمره، فالحكم فى أعراف المماليك يرتبط بالفتوة والخدعة.
ومكياج الموتى ما زال يغطى وجوه مبارك وحاشيته فى السجن وفى ردهات الحكم الانتقالى، لم يواجهوا الكاميرات ولا الناس بدون هذه الطبقات الثقيلة من مستحضرات إخفاء العمر بما يمثله من عجز وشيخوخة جافة.
فى المقابل يضع الحاكم وحاشيته على وجوهه مكياج الموتى.. ليخفوا العمر الممتد وملامح العجز الواضحة تماما.
مكياج الموتى يضعه اليابانيون على الموتى قبل ذهابهم إلى النهاية.
بينما هنا يقاوم الحكام بمكياج الموتى الذهاب إلى النهاية.
تأمُّل وجوه الحكام وورثتهم، يجعلنا نرى مومياوات يحاربون الأحياء.. فى جولة ثانية يسعون فيها إلى قتل الروح التى خرجت من جثة شعب بدا أنه استسلم لحكم القهر كالعبيد الذين يرون فى عبوديتهم قدرًا.
المماليك يصبغون رؤوسهم.. عملاً بأعراف كبيرهم الذى سقط بسبب سماعه كلام العائلة، دفع ثمن خيانته لعصابته من المماليك الصغار.
المماليك الصغار يدافعون عن جمهوريتهم بكل ما يمتلكون من ماكينة إدارات الدولة بالأجهزة السرية.
المماليك هم العبيد الصغار الذين يخطفون ويوضعون فى حضانات داخل قصور الحكم، وتجرى تربيتهم على مناهج الولاء والطاعة ليصبحوا بعد ذلك هم الحكام، وجهاز السلطة الواسع والقابض على أمور الدولة.
البيروقراطى مهمته تأمين مكانه بالمعنيين: العام (تأكيد السيطرة السياسية والأمنية) والخاص (الحفاظ على الكرسى أطول فترة ممكنة بعيدًا عن عواصف سكان القصر العالى).. وهذا هو المفهوم الذى أديرت به المرحلة الانتقالية.
النظام لا يتمتع بالكفاءة، لكنه يعتمد على الماكينة التى تصب فى النهاية لصالح استمراره. هذه أيام البيروقراطى، فمهمته اليوم ضمان استمرار الصبغة أطول فترة ممكنة.. وهذه مهمة أصعب فى زمن الصبغات المستوردة من الصين.