أظننى لن أضيف شيئا جديدا إذا كررت حقيقة أن الرئيس عبد الفتاح السيسى سوف يواجه منذ هذا اليوم، وفور أن ينتهى من تلاوة القسم الدستورى الذى تبدأ به مدة ولايته الرسمية، تحديات هائلة وجسيمة بعضها غير مسبوق، وسيخوض اختبارات خطيرة أغلبها شديد الأهمية والقسوة معا.. ومن دون مقدمات سأدخل فورا فى موضوع هذه السطور، فقد اخترت اختبارين فقط من هذه الاختبارات التى لا يفوق قسوتها إلا أهميتها الفائقة.
فأما الاختبار الأول فربما أفضل صياغة توضحه وتبرزه هو السؤال عن مدى استعداد الرئيس السيسى وقدرته على استعادة أهم مكونات جبهة 30 يونيو، التى صنعت ثورة عظيمة أنقذت البلاد من شرور وكوارث رهيبة، وأوصلته هو إلى كرسى الرئاسة.. أو بمعنى أكثر شمولا وموضوعية: هل سيتمكن الرئيس بسرعة معقولة «لا سيما أنه سيبقى شهورا متمتعا بسلطة التشريع إضافة للسلطات الرئاسية» من تبديد الشكوك حول قوة إيمانه بهدف بناء نظام ديمقراطى رشيد وكفء، يدفن الماضى الأليم ويضمن ويحفظ حريات الناس ويستجيب للشروط والمبادئ النبيلة التى تضمنها الدستور؟
وقد تسأل أنت عزيزى القارئ عن علاقة الديمقراطية باستعادة قوة جبهة 30 يونيو، وما تحمله من إمكانيات جبارة نحتاج إليها جميعا ويحتاج إليها الرئيس خصوصا، لكى يتمكن ونتمكن معه من مجابهة استحقاقات مرحلة هى الأخطر والأكثر حساسية فى كل تاريخ الدولة المصرية الحديثة، فضلا عن الاحتشاد واستنهاض الهمم لبناء الوطن الجديد الناهض الذى حلمنا وما زلنا نحلم به؟
والحق أن الإجابة عن هذا السؤال واضحة جدا، وتبدأ باعتراف لا بد منه بأن وحدة جبهة 30 يونيو أصابها بالفعل شىء من التشقق خلال الشهور التى مضت، لأسباب عديدة منها اختلاف وتنوع أطرافها على نحو واسع ونادر، وكذلك استثنائية وحساسية الظروف التى وجدنا أنفسنا أمامها بعد الثورة «يكفى هنا الإشارة إلى أن الدولة والمجتمع المصريين واجهَا حلفا شيطانيا مجرما وغير مسبوق فى شروره»، فضلا عن أخطاء وخطايا لم يكن لها ما يبررها باعدت فعلا بين أهم القوى التى أسهمت فى صنع ثورة 30 يونيو، حتى بدا الأمر أحيانا كأن بعض هذه القوى غادر جبهة الحرب ضد إرهاب وإجرام جماعة إخوان الشياطين وأسيادها فى الخارج، وانخرط فى صراع مبكر وحامى الوطيس مع حلفائه ورفاق نضاله.
وأعود للسؤال الأول الذى إجابته ليست عندى وإنما يملكها الرئيس وحده، غير أن هذه الإجابة قطعا ليست مجرد كلام ووعود وردية، وإنما أفعال وتوجهات وسياسات بعضها لا يحتاج إلى وقت طويل بل العكس هو المطلوب، على الأقل على صعيد الإشارات التى أرى أن لا يتأخر الرئيس فى إرسالها لمن يتشككون فى مدى التزامه بالسير فى طريق دعم وصيانة الحريات، وهنا أقترح من دون أى لبس أن يستهل الرئيس عهده بإصدار قرارات قوية وشجاعة تشى بأنه عازم ومصمم على إعادة لملمة صف القوى الوطنية الديمقراطية، التى حاربت معه معركة تحرير الوطن من براثن العصابة الإخوانية.
باختصار، أتجاسر وأتمنى على الرئيس السيسى «مثلا» أن يستخدم سلطته الاستثنائية الحالية، ويصدر مرسوما بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم حق التظاهر المثيرة للخلاف والجدل، التى هيجت الشكوك وأشعلت المخاوف.. وظنى أن هذا المرسوم لو صدر بسرعة فسوف يسهم إسهاما كبيرا ومضمونا فى إشاعة مناخ أكثر هدوءا، يسمح بتوجيه الطاقة كلها نحو العدو الذى ما زال يسعى بجنون لتعطيل وتعويق مسيرة البناء.
وبعد.. فقد تآكلت المساحة ولم يبق منها ما يكفى لفتح ملف الاختبار القاسى الثانى، الذى داهم الرئيس فعلا ولم ينتظر البداية الرسمية لولايته، وأقصد تحديدا «نوع وشكل» علاقة مصر الرسمية بالعدو الإسرائيلى، فى ظل معطيات وموروثات ثقيلة ومثقلة بحساسيات واختلالات متفوقة فى الصعوبة والخطورة.. وأكمل غدا إن شاء الله.