العالم ليس لك وحدك.. ربما توهمنا الأنانية المفرطة أحيانا أنه ما دمت تمتلك سيارة بالتقسيط وبيتا بالتقسيط فإن العالم يجب أن يستقر.. لأنك فى قمة سعادتك..
وأتخيل أن الدنيا حلوة ما دمت أعرف رقم تليفون ضابط يمكنه أن يحل مشكلاتى مع المرور، أو أستخدم اسمه لأمر من عذابات الكمين اليومى.. هذه هى الحياة ببؤسها الكبير..
بؤسها الذى يضاف إليه أننا محرومون من إنسانيتنا ونحن لا ندرى..
يتصور عشاق الأنانية المفرطة أن الإنسانية هى منح جنيهات لمتسول أو علبة طعام للشغالة.. أو التبرع فى جامع أو كنيسة..
الإنسانية أكبر من ذلك..
والمجتمعات التى وصلت إلى مستوى إنسانى الحياة فيها ليست سعيدة لكنها توفر لك إمكانية أن تعيش هذه الإنسانية..
الإنسانية التى لا تجعلك تشعر بالشماتة فى قتل خالد سعيد منذ سنوات لأنك لا تريد أن تهدم عالمك الجميل «سيارة + بيت + تليفون الضابط»..
ولا تشمت فى ماهينور المصرى التى تقضى عقوبة تضامنها مع خالد سعيد بعد ثورة كان أحد أيقوناتها..
والفرق بين من يبرر قتل أو حبس إنسان لا يعرفه ليدعم ويساند سلطة غير عادلة ومجرمة فى حق الجميع..
وبين من يدافع عن الإنسانية كبير..
وهذا ما وجدته فى الرسالة التى كتبتها ماهينور من عنبر سجن النساء.. وأنقل منها مقتطفات:
(لا أعلم كثيرا ما يحدث بالخارج بعد تأييد الحكم علىّ، ولكنى أكاد أتخيل ما كنا نفعله عندما يحبس أحد فى «دائرتنا»؛ يمتلئ الفضاء الإلكترونى بعبارات الحرية لفلان أو السجن للجدعان وما إلى ذلك.
ولكن منذ دخلت سجن دمنهور للنساء وتم وضعى مع سجينات عنبر 1 المختص بجرائم الأموال العامة، وأنا لا أردد سوى «فلنهدم هذا النظام الطبقى».
سجينات العنبر معى أغلبهن محبوسات بسبب إيصالات أمانة لم يستطعن تسديدها؛ من كانت تجهز ابنتها، ومن كانت تجمع أموالا لعلاج زوجها، ومن أخذت ألفى جنيه لتجد أن عليها غرامة 3 ملايين جنيه...
هنا وجدت داعمات للسيسى من منطلق إيمانهن بأنه إذا فاز سيصدر عفوا عن قضايا الإيصالات، وهناك من يردنه لأنه سيضرب بيد من حديد المظاهرات الإرهابية -رغم تعاطفهن معى وإحساسهن أننى فى الأغلب مظلومة- وهناك من تؤيد حمدين لأنه ابن بلدها الجدع، وترى أنه وعد بإطلاق سراح السجناء، ليصرخن فيها أنه تعهد بذلك فقط لسجناء الرأى، وهناك من ترى أنها مسرحية وأنها لو كانت بالخارج كانت ستقاطع.
العنبر مجتمع صغير... أشعر أننى وسط عائلتى؛ كلهن ينصحننى بأن ألتفت إلى مستقبلى عندما أخرج، فأقول لهن إن الشعب يستحق الأفضل، وإننا لم نصل للعدل بعد وإننا سنظل نحاول أن نبنى مجتمعا أفضل.
أقول لهن إن النظام يرى أن أم أحمد المحبوسة منذ 8 سنوات وأمامها 6 أخرى بسبب شيكات لا تتعدى 50 ألف جنيه أخطر من مبارك، فأى مستقبل تردن أن أبنيه فى مجتمع ظالم.
وفى النهاية إذا كان لا بد من رفع شعار الحرية لفلان، فالحرية لسيدة وهبة وفاطمة... ثلاث فتيات قابلتهن فى المديرية متهمات بالانتماء للإخوان وتهم أخرى تصل للقتل، وقد تم القبض عليهن بشكل عشوائى ويتم التجديد لحبسهن منذ يناير دون الوقوف أمام محكمة.
الحرية لأم أحمد التى لم ترَ أبناءها منذ 8 سنوات، والحرية لأم دينا العائلة لأسرتها، والحرية لنعمة التى قبلت أن تكون كحولة لتطعم أطفالها... الحرية لفرحة ووفاء وكوثر وسناء ودولت وسامية وإيمان وأمل وميرفت.
إن آلامنا بالمقارنة بآلامهن لا شىء، فنحن نعلم أن هناك من سيذكرنا من حين لآخر بفخر كونه يعرفنا، وهن من يجد فخر بهن يتم التغاضى عن ذكرهن إلا فى التجمعات العائلية فقط، فليسقط هذا المجتمع الطبقى ولن نستطيع إلا إذا لم ننسَ المظلومين الحقيقيين).