تأتى مبادرة الملك عبدالله لمؤتمر الدول المانحة والصديقة لمصر فى وقتها تماما.. وفى ظل استعادة مصر مكانتها وعلاقاتها الدولية فى ظل نظام جديد.
.. ولعلّى من الذين طرحوا من بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ضرورة عقد مؤتمر اقتصادى كبير للدول المانحة التى تساعد مصر فى انتقالها خصوصا بعد الصدى العالمى الكبير لثورة ٢٥ يناير.
.. وبالفعل كان هناك تحركات، وفى نفس الوقت كان هناك ترحيب من دول كبرى وتكتلات اقتصادية ومنظمات دولية ودول مانحة لمساعدة مصر للانطلاق إلى مرحلة جديدة.. وبدأ الحديث عن حجم المساعدات التى ستقدم لمصر.
لكن الإدارة السيئة للبلاد أوقفت كل ذلك..
.. فلم تكن إدارة المجلس العسكرى تعرف ماذا تريد، كما كانت حالة الارتباك وقلة الخبرة السياسية أو قُلْ انعدامها، جعلتهم متخبطين فأرادوا أن يتم الانتقال بطريقة لا تزعج كأنهم اكتفوا بتخلى مبارك عن السلطة!
.. وفى نفس الوقت كانت الإدارة المدنية متمثلةً فى حكومة عصام شرف مترددة ولم تكن أبدا على مستوى الثورة ومطالب التغيير الحقيقية ولم تتخذ أى قرار وسلمت نفسها لإدارة المجلس العسكرى المتلخبطة أحيانا والعاجزة أحيانا أخرى فكان المصير العجز والفشل فتجمّد أى حديث عن مؤتمر أو مبادرات دولية لمساعدة مصر.
.. وأمام هذا التخبط فى الإدارة وجد الإخوان فرصة سانحة للسيطرة وهو ما نجحوا فيه حيث استطاعوا الوصول إلى السلطة بسهولة على أكتاف إدارة البلاد الفاشلة والعاجزة التى كانت تسير الأمور ولعلهم وقتها كانوا يرحبون بالإخوان (!!).
.. واستمر التخبط فى الإدارة ليفشل الإخوان فى إدارة البلاد بعد أن أداروها على طريقة مكتب الإرشاد فى أهل الثقة والعشيرة والسمع والطاعة.
.. ويخرج الجماهير فى ثورة ٣٠ يونيو للتخلص من حكمهم الفاسد المستبد الفاشى الذى كانت تديره عصابة لم تُرِد للبلاد خيرا.. وإنما كان عملهم لصالح الجماعة.
.. ونعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر..
.. لكن هذه المرة فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة مع استمرار الانفلات الأمنى فضلا عن العمليات الإرهابية التى ترعاها الجماعة بعد أن تم عزلها من السلطة.
.. من هنا كان لا بد من مؤتمر للدول المانحة والصديقة لمصر للمساعدة فى الخروج من هذه الأزمة.
وجاءت المبادرة من السعودية التى وقفت مع مصر موقفا كريما مؤثرا على مستوى الساحة العالمية فضلا عن المساعدات التى جعلت الأمور مستقرة إلى حد كبير خلال العام الانتقالى منذ ثورة ٣٠ يونيو.
.. وهذا المؤتمر مهم جدا للمرحلة الحالية والمستقبلية لطرح احتياجات الوطن فى كل المجالات وإعادة بناء المؤسسات واستعادة هيكل الدولة التى كادت تضيع فى ظل سياسات متخبطة وفاشلة خلال المرحلة الانتقالية التى طالت كثيرا.
.. فإذا كانت المبادرة السعودية ذات أهمية كبرى فى ظل مردودها الإيجابى من دول أخرى ومؤسسات دولية فإن هناك دورا على الداخل يتمثل فى الدعوة إلى مؤتمر اقتصادى كبير يشارك فيه كل المؤسسات المصرية ورجال الأعمال للنظر فى خطة مستقبلية لا تهمل الحل الآنى للمشكلات الكبرى التى تمر بها البلاد.
.. فلا بد من خلال هذا المؤتمر وضع حلول جذرية للمشكلة الاقتصادية فى إطار خطة محددة الملامح تراعى تحقيق العدالة الاجتماعية وحل مشكلة البطالة وتشجيع الاستثمار.
ويشارك فى ذلك رجال الأعمال بالنصيب الأكبر خصوصا الذين حققوا أرباحا كبيرة على حساب الشعب فى السنوات الماضية.
.. فمصر فى حاجة إلى صندوق سيادى بمليارات الدولار يمكن من خلاله التعامل مع الواقع الاقتصادى المتدهور بخطة طموحة لإنقاذ البلاد.
.. ولن يتم ذلك إلا بمشاركة الجميع وبالإخلاص والتفانى وبارتباط ذلك بناء المجتمع المدنى والديمقراطى الحديث والذى يعلى من شأن الحرية.
.. وهنا تتحقق أهداف ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو (عيش حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية).