كانت آخر جملة قالها حبيب العادلى كوزير للداخلية فى حوار تليفزيونى «التليفونات متراقبة.. واللى خايف مايتكلمش»، يبدو أن الخوف لم يجد طريقا فقام العادلى بقطع الاتصالات نهائيا.
الإنترنت تحت مراقبة «الداخلية» طول الوقت، بداية من القبض على مؤسس صفحة «كلنا خالد سعيد»، نهاية بالقبض على كيرلس غطاس منذ أسبوع فى الأقصر بتهمة ازدراء الأديان على مواقع التواصل الاجتماعى، مرورا بصفحة رسمية للداخلية على «فيسبوك» يتواصل معها الناس مرة جد ومرة هزل، بخلاف قضايا من نوعية النصب أو الابتزاز تم ضبطها بعد أن جرت أحداثها على أرض هذا الملعب.
ومواقع التواصل لا معنى لمراقبتها، إذ إنها مفتوحة أمام الجميع، بل إن الإعلام المصرى بكل مذيعيه كان خلال السنوات الثلاث الماضية -ولا يزال- يقتات على ما يكتبه الناس على «فيسبوك» و«تويتر» (أو طنيطر كما قال المستشار أحمد الزند معلقا على منتقديه فى ضيافة مذيع ما)، ولا يخلو برنامج فى مصر الآن من فقرة عن المحصول الذى يجنيه فريق الإعداد من التجول بين هذه المواقع.
الفكرة فى 4 نقاط:
الأولى: مراقبة «فيسبوك» و«تويتر» المفتوحين أمام الجميع لا معنى لها إلا بمراقبة ما لا يمكن للعامة مشاهدته أو الاطلاع عليه. المراقبة هنا تعنى التسلل بالقانون إلى أعماق بطن الزير.
آه.. بمناسبة القانون.. تنص المادة 57 من الدستور المصرى على (للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التى يبينها القانون).
ثانيا: ظهر المسؤول الأمنى مع رولا خرسا متحدثا عن مراقبة المواقع الاجتماعية لمكافحة الإرهاب لا بالتلصص على الناس، ولكن وبتتبع مفردات حوار معينة مثل كلمة (متفجرات)، قالت له رولا خرسا إن الإرهابيين ليسوا بالغباء الذى يجعلهم يستخدمون هذه الكلمة صراحة فى حواراتهم، صمت المسؤول لثوان قبل أن يقول «ربنا سبحانه وتعالى لما شبه النار والجنة ده أسلوب علشان العقل الآدمى يقدر يستوعبه، لكن الشكل النهائى للنار مختلف، وأنا باخاطب عقليات بنى آدمين».
ثالثا: الكل يعرف أن «الداخلية» تراقب مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يعترض أحد، ما دام الأمر كان يجرى فى سياق قانونى مشروع لمكافحة جرائم حقيقية، لكن «الداخلية» شعرت أن هذا لا يكفى فسربت الخبر.
«الداخلية» تريد أن تفتح بالخوف بابا للسيطرة على طريقة (اللى خايف مايتكلمش)، وعلى نهج الأسطورة القديمة المنتشرة فى كل مكان (درج أصغر معاون مباحث فيه جوابات اعتقال على بياض).
«الداخلية» تريد من المواطن الإلكترونى أن يكون هو الرقيب على نفسه، وأن يراجع وجهات نظره وآرائه ومواقفه قبل أن ينطق بها على الإنترنت.
«الداخلية» أيضا تريد استعادة هيبتها المفقودة فى هذه المنطقة قبل أن تستعيد هيبتها أمام الباعة الجائلين وسواقين الميكروباص، هى رسالة محسوبة ومدروسة.
والحقيقة أن الرسالة وصلت.. بس فاضية.