أكتب هذه الكلمة وأنا فى طريقى لحضور لقاء مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر د.أحمد الطيب مع عدد من المثقفين والفنانين، بالطبع سيتناول اللقاء علاقة المؤسسة الدينية بالأعمال الفنية، بعد أن لاحظنا خلال الأشهر الأخيرة أن الأزهر صار طرفا فى العديد من المعارك الوهمية. نعم بابا الفاتيكان باعتباره رأس الكنيسة الكاثوليكية يتدخل أحيانا ولكن لا وجه للمقارنة، تابعوا مثلا ما حدث بين فيلمى «نوح» و«شفرة دافنشى» الفيلم الأخير مأخوذة عن عمل أدبى للكاتب دان براون وبه الكثير من الاختلاقات والشفرات الماسونية، ورغم ذلك فإن الفاتيكان اكتفى بإصدار بيان قبل 8 سنوات لأتباعه يحذّرهم من مشاهدة الفيلم ولكنه لم يطالب الحكومات بالمصادرة.
الذى حدث وقتها أن الكنيسة اعترضت والأزهر تضامن، والغريب أن مجلس الشعب دخل طرفا، وأتذكر جيدا تحت قبة البرلمان شاهدنا مزايدات للمنع وكانت وقتها قضية الرسوم المسيئة للرسول مثارة عالميا، وقال عدد من الأقباط لقد شجبناها ومنعناها، وطالبوا المسلمين برد الجميل وهو ما حدث حيث إن غدة المنع بلغت حدها الأقصى حتى إن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، لم يكتف بالتعهد، باعتباره الرقيب الأعلى، بمنع الفيلم من التداول فى مصر بل أصدر -وهو لا يملك القرار- قرارا بمصادرة الرواية المأخوذ عنها الفيلم رغم أن هذه سلطة أصيلة لوزارة الإعلام ولكننا كنا فى مزاد علنى.
قرارات الإقصاء والمصادرة هى الأسهل لأن المجتمع فى العادة نجده مهيئا لتقبل ذلك، أتحدث بالطبع عن الأغلبية التى سترى، كحد أدنى «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح».
المرجعيات الدينية لها بالقطع كل توقير واحترام ولكن هناك أيضا حقاً للبشر فى الاختيار خصوصا أن الأمر يدخل فى إطار الاجتهاد الذى بطبعه يحتمل إعادة التفكير فى بعض الملابسات المتعلقة بإصدار قرار ما والظروف والتوقيت الزمنى، لا تستطيع أن تنكر أن الغيرة على الدين هى التى حركت رجال الأزهر لكى تتسع دائرة التحريم فى تجسيد الشخصيات التاريخية، لتصل ليس فقط إلى الأنبياء والرسل ولكن الخلفاء الراشدين والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة، كل هؤلاء ممنوع ظهورهم على الشاشة، على الجانب الآخر عندما تكتشف أن مرجعيات إسلامية أخرى -ولا أتحدث عن المذهب الشيعى الذى لا يمانع فى التجسيد- ولكن مرجعيات سُنّية من كبار العلماء مثلا، وافقوا على عرض مسلسل «عمر» وبه الخلفاء الراشدون والصحابة، وكل ما اشترطوه وقتها فى أثناء التصوير كما قال لى المخرج حاتم على هو أن من يؤدى دور عمر بن الخطاب يجب أن لا يكون له تاريخ مع التمثيل من قبل وفضّلوا إسناد الدور إلى وجه جديد «سامر إسماعيل» واضطر المخرج إلى عمل دوبلاج صوتى وقتها لأن أداء الممثل لم يَرقَ إلى المطلوب، وهكذا كان الحوار لممثل آخر محترف، كما أن سامر وقّع على تعهّد يمنعه من الاشتراك فى أى أعمال قادمة خلال خمس سنوات، والغريب أن هيئة كبار العلماء لم تشترط ذلك مع باقى الممثلين الذين أدوا أدوار أبو بكر الصديق وعثمان وعلى والصحابة عليهم جميعا أفضل السلام.
الأمر لا يمكن فى الحقيقة حسمه فى مقال ولا منتديات ولكنه يفرض على الجميع، بدايةً من شيوخنا الأجلاء فى الأزهر الشريف، مراجعة تلك المحاذير التى صُدّرت قبل 90 عاما، خصوصا أن لنا أيضا تجربة ماثلة فى الأذهان وهى فيلم «الرسالة» الذى منعه الأزهر الشريف 30 عاما من التداول وكانت مصر هى الدولة الإسلامية الوحيدة التى صادرته، لتقديمه شخصية عم الرسول سيدنا حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.
ما أتمناه أن ننجح فى هذا اللقاء لتحفيز أزهرنا الشريف من خلال هيئة كبار العلماء لإعادة النظر فى دوائر التحريم التى اتسعت فى وقت كان من المفترض فيه -فى زمن السماوات المفتوحة - أن تتلاشى.
لا يوجد عمل فنى حرام وآخر حلال، ولا أخلاقى وآخر غير أخلاقى، هناك أعمال قبيحة وأخرى جميلة بالمعنى العلمى لكلمتَى الجمال والقبح وعلى المؤسسة الدينية أن لا تتورط فى الدخول إلى معترك قضايا نسبية وخلافية بطبعها.. وغدا نكمل الحوار عن الذى حدث فى اللقاء مع شيخنا الجليل.