لم تنجح كل المحاولات السابقة، وأتصور اللاحقة فى تنفيذ القرار القديم بالأذان الموحد، الذى يدعو الناس إلى الصلاة بصوت وأداء واحد، يتكرر فى كل المساجد. لا نزال ننتظر مؤذنا خاصا لكل شارع، ولهذا أستبعد أن ينجح منهج الإعلام الموحد، الذى يردد النغمة الواحدة، ويرقص على الإيقاع الواحد، مع تخوين كل من يغرد خارج السرب، حتى لو عزف اللحن الأساسى وغيّر فقط فى أسلوب الأداء.
سيجرى خلال الساعات القادمة تنصيب المشير رئيسا وسط فرح وزغاريـد وطبل ورقص وزمر، كل ذلك سينقله الإعلام ليؤكد أن «بشرة خير» الجسمى وقمر ومصطفى أصابت الهدف، وأحالت التصويت فى الانتخابات إلى حفل راقص، صحيح أنه أغضب عديدا من المحافظات، التى لم يذكرها أيمن بهجت قمر، لكن تولى أبو حفيظة إصلاح الخطأ، ليعم الفرح وتعلق الزينات فى كل ربوع مصر. كل ذلك نترقبه ونستوعبه، لكن هل يظل الإعلام، الذى نراه يتحرك وفق ما تشير إليه عصا مايسترو غامض لا نراه، لكنه مسيطر حيث يحدد على وجه الدقة لحظة ضربة القوس على الوتر، التى تلتزم بها أغلب فرق الأوركسترا الإعلامى؟ هل تتذكرون الهجوم السافر على الناخبين، الذين تقاعسوا عن الذهاب إلى الصناديق فى أول أيام الانتخابات ثم تغيرت إشارة المايسترو، فعزفوا على الفور مقاطع من «بشرة خير»؟ هل أذكركم بالإشادة الجماعية بحمدين صباحى، التى لم يخرج عليها سوى أسامة منير، حيث شاهدت وجها آخر خرج عن رقته المعهودة وبرنامجه الهامس «أنا والنجوم وهواك»، وبدأ فى توبيخ حمدين على كلمة أشار فيها إلى حدوث تجاوزات، لكنه لم يتشكك فى النتيجة النهائية، وهو ما تسمح به الدولة فى قواعد الاختلاف؟ حصل فى الحقيقة حمدين على إشادة أراها مبالغ فيها من أغلب الفضائيات، رغم أنه احتل المركز الثالث فى انتخابات تقدم لها اثنان فقط! وهى سابقة لم وأتصور لن تتكرر، ورغم ذلك نعتته إحدى الفضائيات بالمناضل الكبير، الذى رفض 5 مليارات دولار من الشيخة موزة للانسحاب توضع فى أحد بنوك سويسرا، وهى شائعة تكاد تصرخ أنها شائعة إلا أنها فى النهاية تُرضى حمدين، ولهذا لا أتصور أنه سيكذبها. سوف نصفق كثيرا للسيسى فى المرحلة القادمة، ولا بأس، إلا أن البأس كل البأس أن ندفع ثمن الفاتورة من مساحة الحرية التى كانت هى وقود الثورتين.
هل سيواصل الإعلام الصمت لو حدث تقليص لهامش الحرية؟
أتحدث بالطبع فقط وحصريا عن الإعلام الخاص، لأن إعلام الدولة من الواضح أنه قد تجاوزه الزمن. عندما اختار السيسى عددا من الفضائيات للحوار شاهدنا عديدا منها حاضرة ما عدا تليفزيون الدولة، وهى لا شك تحمل دلالة على الفكر القادم، لا تقولى إن السيسى كان مرشحا للرئاسة وليس رئيسا، ولهذا لا نعتبرها إشارات إلى الفكر القادم، المؤكد أن هناك إحساسا بأن تليفزيون الدولة لم يعد له دور فى المنظومة الجديدة، وأن من يملك توجيه الرأى العام هو القطاع الخاص، واختيار السيسى فى أول طلة له إبراهيم عيسى «أون تى فى»، ولميس الحديدى «سى بى سى» ليس عشوائيا، ولا هو طبقا لنظرية «حادى بادى»، والحقيقة أنه ليس فقط المحطتين، لكن الإعلاميين تحديدا إبراهيم ولميس يعنى دلالة واضحة على أنه حدد، واختار الأقوى لدى الناس. تليفزيون الدولة لن يلعب فى المنظومة القادمة أى دور، ليس لأنه لا يريد أن يكون صوتا مباشرا للدولة، لكن لأن الدولة القادمة لن تراهن على حصان خاسر.
إلا أن السؤال الأهم: هل يتقبل المواطن المصرى الإعلام الخاص فى ثوبه الجديد، حيث صار يردد نفس القطعة الموسيقية، ولا يقبل حتى الاختلاف فى أسلوب العزف؟
عندما قامت ثورة 23 يوليو، كان محمد نجيب مباشرا فى طلبه، أن تُقدم السينما أفلاما للإشادة بالثورة لتليق بالعهد الجديد بدلا من الرقص والخمر والخناقات التى كانت لا تخلو منها الأفلام، لم تستطع السينما تنفيذ شىء منها، وعادت مرة أخرى الأفلام وبها رقصة وبار وأغنية ونكتة وخناقة. المايسترو الغامض فى الأيام القادمة أظنه سيغير فى النوتة الموسيقية، ويسمح بقليل من الاجتهادات.. أظنه!