أظن الانتخابات الرئاسية التى جرت فى مصر خلال الأسبوع الماضى هى أمر غير مسبوق فى تاريخ مصر. وأعتقد أن هذه الانتخابات تؤكد ما قلته من قبل أكثر من مرة أنه فى 30 يونيو عام 2013 ولدت دولة جديدة بمشروعية جديدة فى مصر. وعندما أقول ولدت دولة جديدة لا أعنى «الدولة بالمعنى القانونى» أى باعتبارها شعبا يقيم على إقليم معين فى ظل سلطة معينة- هذا المعنى القانونى متحقق فى مصر منذ قرون- ولكن الذى أقصده من ميلاد الدولة الجديدة بالمشروعية الجديدة هو توجهات الدولة السياسية أو بالأدق توجهات شعبها من ناحية الفكر السياسى ومن حيث طريقة الحكم. وأول مظهر من مظاهر هذه المشروعية الجديدة هو انتهاء تجربة الإسلام السياسى التى كانت فى الواقع نوعا من التضليل الذى لا صلة له بصحيح الإسلام. فى اعتقادى وفى اعتقاد الكثيرين أن الخلط بين الدين والسياسة يؤذى الدين والسياسة معا. الدين يقوم على اليقين المطلق والسياسة تقوم على المصالح الآنية التى تتغير بين فترة وأخرى.
والحقيقة أن حكم الإخوان المسلمين فى الفترة المحدودة التى تولوا فيها السلطة كان هو السبب المباشر الذى أدى إلى إزاحة هذا التضليل الأمر الذى لم ينجح فيه عبدالناصر ومن بعده السادات ومن بعدهما مبارك.
هم الذين نجحوا فى أن يجعلوا الشعب المصرى يكرههم ويكشف زيفهم وضلالهم وهذا هو ما ساعد على ولادة «المشروعية الجديدة» بمعنى الرغبة الشعبية القوية فى إقامة الدولة الحديثة. وهنا نجد أنفسنا نصطدم بحقيقة مفزعة مفادها أن الأحزاب المدنية فى مصر تزيد على خمسين حزباً ولكنها لا وزن لها فى الشارع لأنها لا تعرف كيف تجمع قواها وكيف تخاطب الناس.
آن الأوان أن تدرك الأحزاب المدنية أن هذا التفكك لن يفيدها ولن يفيد مصر فى شىء وأن نتيجته الوحيدة أن القوى المضادة للدولة المدنية هى القادرة على الحشد وعلى مخاطبة الناس حتى وإن لم يستطيعوا أن يقنعوا إلا القلة من محدودى الثقافة.
والآن أعود إلى الموضوع الأساسى لهذا المقال وهو أن رئيس الجمهورية الجديد، المشير- حتى الآن- حاز على ثقة جماهيرية لم يحزها رئيس جمهورية من قبله. إن الانتخابات التى جرت الأسبوع الماضى توشك أن تكون غير مسبوقة وأن النسبة التى حصل عليها المرشح محمد عبدالفتاح السيسى هى أيضاً أمر غير مسبوق.
وإذا كان الشعب المصرى- فى ظل المشروعية الجديدة- أعطى هذا الرئيس كل هذه الثقة فإنها تفرض عليه مقابل هذه الثقة مسؤوليات جساما.
إن الجميع ينتظر أن مشاكل مصر- وهى متراكمة وكثيرة- ستحل فى وقت قريب، وهذا غير صحيح لأنه ببساطة غير ممكن. إن الأمر يحتاج إلى وقت ودراسة وتخطيط.
ما هى أبرز هذه المسؤوليات الجسام التى سيواجهها الرئيس الجديد؟
أبرز هذه المسؤوليات وأولها والذى يمهد لغيرها هو تحقيق الأمن وبالذات «الإحساس بالأمن». إن الإحساس بالأمن أهم من الأمن فى ذاته لأن الإحساس بالأمن هو الذى يجعل المواطن قادرا على الاختيار والحركة.
وقد يجوز لى أن أقول بحكم ما أشاهد حولى إن قضية البطالة الرهيبة التى يعانيها الشباب المصرى سواء كان جامعياً أو غير جامعى هى أمر بشع ومحبط. وقضية البطالة ترتبط ارتباطا مباشرا بالقضية الاقتصادية. ولعل أهم ما يعنينا هنا من الناحية الاقتصادية أمران هما السياحة أولا وآلاف المصانع التى أغلقت أبوابها منذ أكثر من سنتين بعد اضطراب أحوال الأمن.
وهكذا تتداخل المشاكل فى بعضها، وهكذا نرى كيف أن مهمة الرئيس القادم بالغة الصعوبة. ولا يستطيع إنسان وحده مهما كانت مقدرته أن ينهى هذه المشاكل التى تراكمت على مدى السنين فى يوم أو يومين بل حتى سنة أو سنتين. إن الأمر يحتاج إلينا جميعا. يحتاج إلى سواعد ملايين المصريين لكى يبنوا بلدهم من جديد. وأظن أن المصريين لن يبخلوا على بلدهم بجهد مهما كان.
إن مصر تحتاج إلينا جميعا فهلموا نلبى النداء. وسيعز الله مصر بقوة شعبها وعزم رئيسها الجديد الذى يؤمن إيمانا قويا بهذا الشعب العظيم بعد إيمانه بالله جلت قدرته.
هل أدركنا أن التحديات أكثير كثيرا من الثقة التى منحها الشعب لرئيسه الجديد.
إن مصر ستنهض من جديد.
والله المستعان.