(1)
يحكي لنا القرآن الكريم قصة «قارون» وهو كان من قوم موسى قبل خروجهم من مصر, وكان من أغنياء القوم حتى إن مفاتيح الحجرات التي تضم كنوزه وأمواله كانت ثقيلة لدرجة أنها كانت «لتنوء بالعصبة أولي القوة»، أي أن الأقوياء كانوا يشعرون بالمشقة حين حملها.
ولكن «قارون» بغى, ولم يذكر الله سبحانه وتعالى كيف كان البغي أو الفساد ولكن يتوقع المفسرون أنه كان فسادًا ماليًا نتج عنه الثراء الفاحش لقارون, وكما هو حال المفسدين في الأرض رفض «قارون» نصيحة الحكماء من قومه عندما نصحوه بأن يصلح، وقال «إنما أوتيته على علم عندي».
ثم خرج على قومه في أبهى زينته ليستعرض قوته أمام القوم, افتتن بعض ضعاف النفوس بقارون وتمنوا لو كانوا مثله أو أن يملكوا بعضًا من حظه, ولكن جاء رد أولياء العلم عليهم بأن القوة والجمع والمال والنفوذ والسلطان زائلة, وأن الخير في الآخرة لمن عمل صالحًا.
وجاء عقاب الله سريعًا ورادعًا، فخسف الله الأرض بقارون الذي ظن أنه يستطيع أن يملك ما لم يعطِه الله, وتناسى أن الله قد أهلك من قبله من هو أشد منه قوة وأكثر جمعًا.
(2)
في أواخر عام 1978 قام الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل.
قامت الجماهير بالنزول إلى الشوارع والميادين للاحتفال بهذا الإنجاز الذي قام به الرئيس، ولكن الوجوه والأجواء العامة كانت متوجمة والفرحة لم تكن حقيقية.
أعقب توقيع اتفاقية السلام العديد من الخطوات الأخرى، منها الانفتاح الاقتصادي ودخول رأس المال الأجنبي وبدأت الفجوة تتسع ما بين الطبقات وظهور المقولة المشهورة «إللي مش حايغتني في عصر السادات مش حايغتني بعد كده».
من المعروف أن السادات في السادس من أكتوبر عام 1981 قد خرج مع حاشيته في أبهى حللهم مرتدين بدلهم العسكرية وأثناء مشاهدتهم عرض القوة العسكرية للجيش تم اغتيال الرئيس.
ولا ينسى أحد أن هذه النهاية الدموية قد سبقها قيام السلطات المصرية باعتقال معظم المعارضين على كل توجهاتهم السياسية.
ولا ينسى أحد أيضًا حرص السادات على مخاطبة عواطف الجماهير، خاصة في عام 1980 حين قام بتعديلات على الدستور، منها إضافة «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع»، فهو «الرئيس المؤمن» وهو«رب العائلة المصرية» مثلما أُطلق عليه.
(3)
في لقاء للمشير الرئيس عبد الفتاح السيسي مع ممثلي المرأة، قامت سيدة من الحضور بالهتاف للمشير الرئيس بأنه «الصادق الأمين»، فعقّب عليها بأنه سيحاول أيضًا أن يكون «القوي الأمين وصادق كمان»، فباغتته سيدة أخرى «والحفيظ العليم»، فسكت المشير الرئيس للحظة ثم قال «إن شاء الله».
يعلو صوت لطفلة في الخلفية تقول «إنت إللي ربنا باعتك لينا»، فيتمتم المشير الرئيس «اللهم آمين يا رب, ربنا يكرمك».
(4)
في لقاء مع قناة "سكاي نيوز" العربية، قال المشير الرئيس، إن رئيس الدولة مسؤول عن كل حاجة بالدولة حتى دينها, وإنه مسؤول عن القيم والمبادئ والأخلاق والدين.
(5)
في الحديث "العشاري" للمشير الرئيسقال إنه في حال نزول 40 مليونًا للانتخابات، سيقف أمام الدنيا وضد أي شخص يريد الضغط على مصر ومصلحتها.
******
هو يعلم جيدًا أن المصريين بيحبوا «اللمة» وأنه من السهل التأثير على الطبيعة البشرية التي تنساق وراء الجموع وتُفتتن بالقوي, ولكنه نسي أن تدابير الله لا تعمل وفقًا لمعايير بشرية.
صحيح أنه في فترة ما قبل الاستفتاء الرئاسي، قامت وسائل الإعلام الموالية للسيسي بشحن المواطن المصري بكل ما أوتي لها من قوة بعبارات حب ومديح في المُنقذ عبدالفتاح السيسي, وأنه يجب أن يقوم المصريون جميعًا برد الجميل لهذا الرجل عن طريق النزول للتصويت له، كي يتم تتويجه رئيسًا بأغلبية مبهرة.
ومن ناحيته، قام المشير الرئيس بعرض نفسه للشعب عن طريق شاشات، سواء كانت تليفزيونية أو فيديو كونفرانس، ولم يقم بالنزول بنفسه للشعب، فرفض الشعب -عن قصد أو بدون- النزول بنفسه للاستفتاء الرئاسي.
فقد جاءت الأيام المقررة للاستفتاء الرئاسي وتوقع المفتتنون بقوة الجموع المنساقة أن تمتلئ الشوارع واللجان بالناخبين وأن ينزل 40 مليون مصري ليبايعوا المشير الرئيس ولكنهم يكيدون كيدًا ويكيد الله كيدًا.
لا المال ولا الجمع نفع قارون، ولا القوة ولا السلطة نفعت السادات، ولا التطبيل ولا الزمر ينفع أحدًا.
أحدٌ أحد.