الموقف كله يحتاج إلى تفكير، ومراجعة. ليس لأنك مهزوم تعتبر نفسك على حق، لأن المنتصر استخدم أساليب قديمة أو احتاج إلى عملية إنقاذ وهو المنقذ. أو حتى لأن الدولة التى تحللت جثتها ارتضت بالرقص بديلا لكل معانى الانتصار السياسى.
هى معركة سيدفع فيها المنتصر ثمن انتصاره إن لم يقف أو يفكر أو يعد حساباته ويدرك اللحظة الفارقة التى تعيشها مصر.. وهذا غالبا ما سيحدث لأن الجنرال السيسى ليس أمامه إلا النجاح فى «مهمته».. لن تقبل منه أخطاء كان يمكن قبولها من جنرالات آخرين.. وما كان يصلح لمبارك لن يصلح للسيسى.. لسبب بسيط أن مبارك أدار الدولة من لحظة ثبات ووفق كتالوج محفوظ وأجهزة مستقرة ومفاتيح كلها فى يده.
كما كان المجتمع كتلة «صامتة» أو «ميتة إكلينيكيا» بعد استسلامها مرتين، الأولى انتظارا أن يكون مبارك «ديكتاتورا عادلا» أو «عبد الناصر جديدا» يمحو آثار السادات.. والثانية فى معركة النظام مع الوحش الإرهابى فى التسعينيات.
مبارك المحترف فى التمويت.. طار تحت الرادار ليتاح له بناء نظام الانحطاط الذى يُبقى غالب المجتمع على درجة يمكن السيطرة عليها.. بينما يتاح للمحظوظين والشطار التجمع فى بقع اجتماعية يعيشون فيها بكامل الامتيازات.
الحفاظ على (العشوائية) «بحيرة التخلف والجهل والعنف» الواسعة وعلى هامشها (البقع الناجية..)... كان سر الاستمرار الطويل بعد أن تحولت الوطنية إلى مشاريع الصرف الصحى والكبارى.. والسياسة دكاكين تحت إدارة أمن الدولة الحاكم الحقيقى.
مبارك كان يتحرك من الثبات، لكن السيسى يأتى فى ظل عاصفة التغيير وارتفاع سقف الطموحات لبناء دولة جديدة لا إحياء دولة ماتت.
والسيسى الذى تربى فى مصانع القيادة العسكرية وعاش ٦٠ عاما من حياته فى مهمة حماية السلطة.. يعبر بصعوبة إلى حياة أوسع ومجال غريب عليه تماما.. لكنه مدفوع ومحمىّ بشعبية تتناقص كما أظهرت الانتخابات.. لكنها ما زالت عند الحد الذى لا يمكن تجاهله، ولا تجاهل آثاره أو دوره فى أداء الجنرال.
لكنها شعبية تقوم على الخوف.. ولهذا تظهر عند الجنرال ملامحه السلطوية أسرع.. وهو سر التململ السريع من شرائح اجتماعية لم يكن الخوف وحده سر إعجابها بالسيسى.
هذه الشرائح انتظرت منه سياسات وموديلا جديدا لحاكم محترف يحترم العقل والخبرة، و«يصلح» ما أفسدته الأنانية المفرطة لمبارك وعصابته.
هذه الشرائح تقف الآن على مسافة «التململ..» أو «الترقب» أو «الحذر الصامت..» وهى مواقف مرشحة للاتساع إذا استمر السيسى فى الاكتفاء بالجانب الخرافى من الشعبية، التى أوصلته إلى حدود التأليه والفرعنة وذكورة الأبطال الأسطورية.
وهى جوانب يمكن هدمها سريعا كما حدث ليلة الانتخابات الأولى حين اختفت «الناس..» اختفاء أصاب بالفزع فرق البروباجندا المتحدة حول السيسى.
الأساطير تحترق سريعا.. ولا يصلح معها ألف رسالة توجيه من رجال السيسى للمنتظرين التعليمات فى الصحف والشاشات.. من ميديا لم يدرك أغلبها الفرق بين التأييد والعبادة.. ولا بين الإعلام والبروباجندا.